‏يا جماعة الخير‏

‏أمك أولاً ثم زوجتك.. لو سمحت

‏يُروى أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ظل يعاني سكرات الموت ثلاث ليال، فذهبت زوجته تشكو إلى الرسول قائلة: لا هو يبرأ فنستريح، ولا هو يموت فيستريح، ولا هو قادر على نطق الشهادة فتطمئن القلوب، فقال: أين أمه؟ فحضرت، فسألها عن حاله فقالت: من المصلين الذاكرين، قال:لست عن هذا أسأل وإنما أسأل عما بينك وبينه؟ فبكت المرأة قائلة: أخاف أن أكذب عليك فينزل وحي يفضحني، أمّا قلبي فإنه عليه ساخط، فنظر إلى الحاضرين من دون أن يسأل عن السبب، وقال: سخط قلبها منعه نطق الشهادتين، ثم سألها: ولم؟ قالت: دائماً يؤثر زوجته عليّ، الوجه الضاحك لها والوجه العابس ليّ، وحلو الكلام معها والكلام الجاف لي، وحلو الطعام والثياب لها، وما يتبقى بعد اختيارها لي، والرأي لها ولا رأي لي، وراحت تصف حسرتها على تفضيله زوجته عليها، فقال النبي: أحضروا ناراً لأحرقه، فصرخت: يا رسول الله ولدي لا تحرقه فديته بنفسي، قال: هذا ما أردت فمن دون رضاك لن يشم ريح الجنة، قالت: أُشهد الله وملائكته والحاضرين أني سامحته وأحب له الجنة، فأرسل جماعة من الصحابة لتفقده، فلما دخلوا عليه تهلل وجهه ونطق بالشهادتين ثم فاضت روحه إلى بارئها.

قام الصحابة بتجهيزه وصلى عليه النبي، ثم وقف على شفير القبر والكل ينتظر كلمته، فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار، اعلموا أن من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً (فرضاً ولا نفلاً). وقبل أن تمتعض زوجة مهضومة الحق لابد أن تعلمي أيتها الزوجة العزيزة أن هذا لمصلحتك قبل أن يكون لمصلحة عمتك (أم زوجك)، لأنك لو أعنتيه على بر أمه، وتفهمتما وتحملتما ما قد يكون من تصرفات منها، يدفعها إحساسها إلى أن الأولوية لها، فإن ذلك مدخرٌ لك يوم تكونين في موقعها، حين تأتي زوجة ابنك أو يأتي زوج ابنتك بما تأتينه أنت اليوم من رفض لهيمنة الأم وتعبيرها -الغشيم أحياناً-عن أولويتها عليك، وستكونين كذلك حتماً لا لعيب فيك، كما أنه لا عيب اليوم في عمتك - إنما لاختلاف الأجيال والنشأة والبيئة والإخفاق في التعبير عن الحب، ولأن كلاً منكما ترى نفسها الأحق بهذا الرجل، ويغيب عنكما أن حقوق إحداكما في زوجها أو ابنها لا تتعارض مع حقوق الأخرى عليه، ولو أن كلاً منكما رأت ما عليها من واجبات نحو الأخرى قبل أن تطالب بحقوقها، لاستراحت النفوس، بل الأسرة كلها. أما صاحب الليلة والمسؤول عن مشكلاتها، فهو الزوج الابن الذي لا يجيد القيام بالدورين معاً، فقد ينقاد لهذه أو لتلك، فيفسد ما بين هذه وتلك، ولو أنه أعطى للأم كامل حقها من دون جور على حق الزوجة، وكذلك يعطي الزوجة حقها من دون جور على الأم مع إكرام، كلٍ على حدة، لسادت الألفة، وكذلك يفعل مع بقية أركان العائلة كأولاده وأرحامه وأرحام زوجته، وقبل ذلك مع والد يخلع قلبه ما يراه من خلل يقض مضاجع أفراد الأسرة جميعاً، هذا إذا لم يكن الوالد أيضاً طرفاً في المشكلة بفرض الوصاية على ولده واعتباره زوجة الولد من جملة الخدم.

كن زوجاً متيماً وابناً باراً، فأنت قائد الفريق ونجاحك في خلق التناغم بين أفراده يحتاج منك الكثير.. فلا تبخل بوقتك لو سمحت.

 

المستشار الثقافي لبرنامج "وطني"

mustafa@watani.ae

تويتر