‏يا جماعة الخير‏

‏لا تُحرَج من ولدك.. لو سمحت

‏‏ليس اليتيم من انتهى أبواه من     همّ الحياة وخلّفاه ذليلا

إن اليتيم هو الذي تلقى له          أمّاً تخلّت أو أباً مشغولا

التربية في البيت، وأما المدرسة فللتوجيه، فسلوك الولد وليد نشأته وبيئته، وباختلاط أبنائنا تظهر الصفات الموروثة والمكتسبة من بيئة البيت، وخلال السنوات الست الأولى تكونت الطباع وتأصلت، وشخصية الوالدين تلعب دور البطولة في زرعها وتأصيلها، فإن انشغلا عن الطفل وكان كل همّهما إسكاته وصرفه عنهما بإعطائه ما يريد، عرف أن الإزعاج أيسر طريق ليبلغ ما يريد، وهو على ما بدأ عليه يشب مع الخادمة ثم الروضة ثم المدرسة، ويا ويل الخادمة أو المعلمين لو اشتكى أحدهم منه، أو اشتكى هو من أحدهم، فالتأديب لهم لا لصاحب العصمة ولدنا، أما هو فقد أصبح يتيماً ضالاً دون مرجعية ولا قدوة ولا رادع.

ومنهم من تشمله العناية الربانية فيميل إلى الاستقامة ويسلك مسالكها بقية عمره، ومنهم من يدفعه إهمال الوالدين إلى التبجّح ومسالك الانحراف والإجرام، وتأتيه الفضائيات بقنواتها الأجنبية لتستنفر فيه الطاقة الجنسية والعنف مع أقرانه، فيثبت وجوده مع الجنس الآخر على الرغم من صغره، وبالمال السائب بين يديه تسهل مهمته بداية مع خادمات لا يرين في ذلك شبهة، وإذا لم يكف المال تطلّع إلى تحصيله بأية وسيلة، ومن ناحية أخرى يعيش حياة (الرجل العنكبوت أو الوطواط أو سلاحف الننجا) في التصدي لمن يقف في طريق رغباته، ومرجعيته عشرات الـ(DVD) التي تملأ غرفته، وما يجلبه (اللابتوب) بغياب الرقابة، فيبدأ بالسجائر - لأنها أفعال الرجال - وربما تطورت إلى حشوها بالمخدرات بمهارات متبادلة مع ضحايا الإهمال من أمثاله، ثم لابد من التزود ببعض الأسلحة الشخصية كالعصي والسكاكين، وتكوين عصابات للحملات التأديبية، وهكذا تتفاقم حالته فلا احترام لمعلم، ولا مكان لسماع والد أو والدة ولا ارتباط بمسجد أو طهارة حسية أو معنوية، يستوي في ذلك البنون والبنات، وإذا بالوالد وهو الراعي المسؤول يشعر بعجزه، وعدم قدرته على مواجهة ولده، فلا يجرؤ على سؤاله عن أصحابه من هم، ولا عن وجهته حين يخرج، ولو سمع أو شك في أن الولد تكثر مشاجراته أويحمل سكيناً أو البنت تدخن الشيشة وتطلع لا يدري إلى أين فإنه يدفن في الرمل رأسه، ويشتري الهدوء (بالطناش) حتى يفاجأ ذات يوم بالشرطة تطارد ولده لجريمة اهتز لها المجتمع، أو يفاجأ به مشوهاً أو ذبيحاً في معركة كان يريد أن يذبح فيها غيره. كل علماء النفس والتربويين بمدارسهم ونظرياتهم وتحليلاتهم تلامذة على منهج سلفنا الصالح في نظرية التربية ذات المبادئ الأربعة: (داعب ولدك سبعاً) أي أعطه وقتاً واهتم به في السنين السبع الأولى، (ثم أدّبه سبعاً) في السبع التالية لا بالشدة بل بمعايشة الأدب سلوكاً حين يخالط معك مجالس الرجال والصحبة والقدوة الحسنة والتدريب على تجنب السلبيات الاجتماعية، (ثم صاحبه سبعاً) اجعله صديقاً بكل حقوق الصديق ليسايرك بحب (ثم اترك له الحبل على الغارب لا تخش عليه) الحبل على الغارب مصطلح عربي،حين تَحسُنُ سياسة الجمل يترك له صاحبه الحبل على رقبته ليسير وحده دون توجيه، وعند خطأ الولد لابد من المؤاخذة، فلا تُحرَج من ولدك.. لو سمحت.

‏المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

‏mustafa@watani.ae

تويتر