‏5 دقائق‏

‏التنافسية‏

حمدان الشاعر

‏يستدعي المشروع الاستثماري في الغرب إجراءات طويلة وحزمة من المتطلبات التنظيمية، لكنها ضرورية لتنفيذ المشروع وضمان نجاحه، في حين يستدعي المشروع ذاته لدينا أياماً قلائل للحصول على رخصته، من دون النظر إلى أية اعتبارات اقتصادية أو بيئية أو اجتماعية قد تكون سبباً في فشل المشروع على المدى الطويل، وهذا يعود إلى وجود حصار علينا يجعلنا أسرى لما يدعى «التنافسية»، فقد صارت هذه المفردة فرصة تسابق لتبسيط الإجراءات، وهي في حقيقتها تسريع لإجراءات يجب عدم التهاون فيها وعدم التعجل، حفاظاً على مستوى المشروع وجدواه وأهميته على المدى البعيد.

فـ«التنافسية» التي تدعو إليها منظمات وهيئات اقتصادية بهدف بناء ميزات تنافسية تعمد إلى جذب الاستثمارات ونمو الاقتصاد، قد تكون سبباً في ضياع هيبة وسمعة الوطن في حال تم تنفيذها من دون وعي بتداعياتها السلبية وخطورتها، التي هي بالضرورة سبب في تقويض كثير من مقومات نجاح الاقتصاد الوطني. فالانهماك في محاولة إبراز أرقام متقدمة على مؤشر التنافسية بين دول العالم ليس بالضرورة معياراً إيجابياً، ولا يعني أن الاقتصاد يقوم على دعائم راسخة وناجحة على الدوام. فلا يكفي أن نسهّل التراخيص لمشروعات محكوم عليها بالفشل، لتكرارها واكتظاظ السوق بها، حتى نرقى درجة في هذا المؤشر، ولا أن نعجل في تراخيص البناء حتى نرقى درجة أخرى، في الوقت الذي يكون ذلك على حساب التدقيق الإنشائي والمعماري لمتانة البناء، ولا أن نسهل إجراءات إصدار التأشيرات مع إغفال متطلبات الأمن وضروراته.

لاشك في أن الوثيقة الوطنية 2021 ترتكز في أحد عناصرها على تأسيس اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمار من أجل تحقيق تنمية مستدامة، إلا أن ذلك لن يتأتى إلا بوجود أنظمة وتشريعات ملزمة، إضافة إلى شفافية بنّاءة وخطط فاعلة، من دون أن يكون سيف التنافسية مسلطاً علينا من أجل التخلي عن قوانين وإجراءات كفيلة بالحفاظ على مكتسبات الوطن، وكفيلة أيضاً بأن تجعل دولة الإمارات من أفضل دول العالم.

لكل شيء وقته حتى ينضج، وطريقة حتى يُستوفى. والفكر الذي لابد أن يتوازى مع التنافسية هو فكر التميز المشتمل على الحفاظ على مستويات محددة من المعايير تضمن استدامة المشروع وقدرته على تقديم الأفضل والمختلف، إضافة إلى الثقة بقدراتنا وسلامة أنظمتنا، وعدم الانقياد لأية تأثيرات محبطة تجعلنا أسرى رهاب عبثي يجعلنا دمى في أيدي الآخرين. فكثيراً ما ننسى أن تقييم الآخر لنا يجب ألا يكون هو المعيار والهدف، فالأهم هو الاحتياج إلى فكر اقتصادي حقيقي يعزز من مكانة الدولة بين اقتصادات منافسة، والأمر ليس بالسهولة، بقدر ما هو التزام مسؤول بحتمية استدامة التنمية إلى أجيال مقبلة، ومن دون أن يكون ذلك مقابل تقويض سمعة الدولة وقدرتها على إيجاد أرضية صلبة في اقتصاد هادف متمكن من أدواته. ‏

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر