‏كل يوم‏

‏غباء في التنفيذ و«التحليل»! ‏

‏عقول كثيرة لم تستوعب إلى اليوم، وعلى الرغم من الأدلة المصوّرة وغير المصورة التي قدمتها شرطة دبي في قضية اغتيال محمود المبحوح؛ كيفية قيام جهاز شرطة في دولة حديثة بإحراج جهاز «الموساد» الإسرائيلي المتمرّس في عالم الاغتيالات والتصفيات، وبالتالي كشف هويات من قاموا بعملية الاغتيال في ظرف 20 ساعة.

هذا الرفض الفكري في عقول هؤلاء مبني على خلفيات تاريخية جعلت من «الموساد» الإسرائيلي، جهازاً عظيماً تلفّه هالات من القوة والتطور والجبروت، لا يمكن مواجهته في العالم أجمع بشكل عام.

ترسخت تلك القناعات في عقول كثير من المفكرين والمحللين، وأكدتها أساطير «الموساد» وعملياته السابقة، وهذه القناعة انتقلت أيضاً إلى الإسرائيليين، والمسؤولين عن هذا الجهاز، فأخذتهم العظمة والاعتزاز بالنفس بطريقة مريضة، واعتقدوا أن يدهم هي العليا، ويستطيعون إيصالها إلى أي جزء من العالم بكل عنجهية وغرور، على أساس أنهم الأقوى والأحدث عدةً وعتاداً وتقنية وذكاء.

هذا الشعور بالتحديد، هو الذي أسهم في سقوط «الموساد»، وفشله في اغتيال المبحوح من دون ترك أثر، فمن خطط ومن نفذ، تهاونوا إلى حد الغباء الفاحش في تنفيذ العملية، وبالتالي فإن الصفعة التي وجهتها شرطة دبي إلى «الموساد» كانت في الأساس بسبب ذلك الغباء الكبير في تنفيذ العملية، وبشهادة المحللين الإسرائيليين في مقالاتهم في صحف إسرائيلية شهيرة، حيث كثير من مقالات السخرية بشدة من أسلوب التخفي والتنكر البدائي، عبر «باروكات» الشعر، ولبس النظارات الطبية، في زمن تنتشر فيه التقنية العالية، والكاميرات الحديثة.

وفي الوقت الذي شهد محللون إسرائيليون بفشل جهازهم، وطالبوا باستقالة «داغان»، الذي ثبت أنه لم يكن «جدعاً» إطلاقاً في هذه العملية، نجد للأسف الشديد من الكتّاب والمحللين العرب من يشكك في تورط «الموساد» في هذه العملية، حيث كتب أحدهم مستغرباً ومستبعداً قيام هذا العدد الكبير من عناصر وعملاء «الموساد»، الذي وصل إلى 26 شخصاً، بعملية قتل رجل واحد، حتى وإن كان بحجم المبحوح.

وبالتأكيد لا يخلو هذا الطرح السطحي من الغباء الشبيه بغباء من نفذ العملية، فمن الأمور البديهية للغاية أن يتكوّن فريق الاغتيال المتمرّس من عدد كبير من المنفذين، فالقصة ليست في حقن المبحوح بـ«سكسينيل كولين»، هذا المخدر الذي يستطيع شل حركة فيل، ولا في خنقه بعد ذلك، فهذا أسهل ما في عملية الاغتيال، لكن ألا تحتاج عملية كهذه إلى فرق عديدة للمراقبة الدقيقة، التي تبدأ من لحظة وصول الضحية إلى المطار، والانتشار في فندقين اعتاد المجني عليه أن ينزل فيهما، والمراقبة الدقيقة لحظة وصوله إلى الفندق؟ وعمليات المراقبة هذه ألا تحتاج إلى فرق عدة تتوالى وتتبادل المواقع حتى لا تثير شبهات أمن الفندق أو العاملين فيه أو حتى الضحية؟ وتنسيق عمليات الاتصال وتبادل المعلومات بين الفريق ألا يحتاج ذلك أيضاً إلى عناصر متخصصة؟ وعملية فتح الباب واستخدام أجهزة متطورة في ذلك ألا تحتاج إلى تقنيين؟ ثم هناك المصورون الذين يلتقطون صوراً تؤكد قيامهم بالعملية لحفظها في أرشيف «الموساد» وإطلاع قادتهم عليها، فهل عملية بهذا الحجم ستنجح بمجهود شخصين أو حتى 10 أشخاص؟!

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر