قتلة وخونة

حمدان الشاعر

في العقيدة الميكافيلية كل شيء مباح، وكل الوسائل مشروعة مادامت تحقق غاياتها، وتبقى مسألة الشجاعة والدناءة قضية نسبية يتفق عليها البعض أو يختلف، وإسرائيل طوال تاريخها كان هذا نهجها، لا تحيد عنه، عبر سلسلة متوالية من الاغتيالات والجرائم، ضاربةً بعلاقاتها السياسية مع الدول الأخرى أو الرأي العام العالمي وحتى الإعلام الدولي ومنظمات حقوق الإنسان عرض الحائط. لم يكن الأمر في الاغتيال الجبان فقط وتكالب 11 شخصاً أو يزيدون على شخص أعزل، ففي عالم المناضلين الشرفاء وأصحاب القضايا يكون الموت حاضراً أكثر من الحياة، لدرجة أن أكفانهم هي وسائد نومهم كل مساء، الأمر يتجلى في انتهاك حرمة وطن آمن واستغلال سهولة إجراءاته وترحيبه بالآخر، ليتحول الترحيب إلى استغلال وقتل لم يخجل من تفاصيل التنفيذ.

ولاشك في أن ما قامت به شرطة دبي عمل عالي الحرفية، فائق الكفاءة، تمثل في سرعة الكشف عن المجرمين، وفي الدقة في إعادة صياغة سيناريو معقد الأمكنة والأزمنة، ليبرز تفاصيل جريمة اغتيال المبحوح بكل وضوح، وبصورة لا تقبل التشكيك. ولقد أكدت شرطة دبي على لسان قائدها الفريق ضاحي خلفان، مراراً حقيقة الجوازات البريطانية والأيرلندية والفرنسية والألمانية المستخدمة من قبل القتلة، وأنها غير مزورة (رغم إنكار الدول الغربية)، ويعزز ذلك ما يؤكده الإعلام الغربي طوال الأسبوع المنصرم، من أنه قد تم استخدام جوازات ذات صور ليزرية وأختام بايومترية وبأسماء حقيقية وبطاقات ائتمان فعلية.

لماذا وافقت دول كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وأيرلندا، رغم ما يربطنا بها من علاقات وثيقة، أن تكون حاضرة بجوازات سفرها في هذه الجريمة، ورغم الإنكار المتوالي فإن استدعاءات سفراء إسرائيل في هذه الدول لن تغير كثيراً من أنها قد تكون مسرحية، يراد بها امتصاص الغضب الكامن فيناً. ولعل الصحف الغربية كانت أكثر صراحة حين اتهمت أجهزة الاستخبارات في دولها بالتورط مع الـ«موساد»، ويساندها في ذلك بلا شك كثير من المعطيات التي تجعلها تكذّب نفي حكوماتها في معرفتها بالمخطط الإسرائيلي.

لو افترضنا أن مواطناً إماراتياً ارتكب جريمة كهذه في الغرب ثم هرب، فماذا سيكون رد فعل هذه الدول إزاء ذلك غير التهديد والتصعيد والمطالبة بتسليم المجرم بإصرار وربما بوقاحة؟ وسيُعاقب جراء ذلك كل حملة جوازات الإمارات، وسنكون جميعاً متهمين حتى إشعار آخر.

هناك استهتار من قبل هذه الدول الأوروبية بحجم القضية، وتغاضيهم عن انتهاك سيادة الإمارات أمر لا يمكن السكوت عنه، فإسرائيل ليست وحدها المسؤولة، بل كل الدول التي حمل القتلة جوازاتها مدينة لنا بتوضيح واعتذار عن هذه الجريمة.

لجهاز الـ «موساد» ذراع طويلة في تنفيذ جرائمه، وهذه المرة لم تكن ذراعه لتصل إلى مرادها من دون عملاء، فالعار الحقيقي هو الخيانة التي أودت بالقضية الفلسطينية نحو هاويات عديدة، فكيف يقبل العقل أو الدين أن يسلم الأخ أخاه إلى جلاد من بني صهيون ليقتله؟ إنه أمر يستعصي على الفهم في زمن ضاعت فيه القيم والأخلاق، ولكن لا يسعنا إلا القول: هنيئاً للشهداء، ولا نامت أعين الجبناء.

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر