توطين جهاز الرقابة والتفتيش

نجيب الشامسي

إن الاختراقات التي تسجلها الأحداث لنسيجنا الاقتصادي، وتفشي الجرائم الاقتصادية، والغش، والنصب والاحتيال، في أسواقنا ومصارفنا، ومؤسساتنا المالية، وشركاتنا الوطنية، تستوجب التدخل السريع، ومن أعلى سلطة في الدولة، لمعالجة تلك الظاهرة، ووضع المعالجة الناجعة للحيلولة دون توسعها، من منطلق المحافظة على اقتصادنا الوطني، ومكتسبات وطننا العزيز.

ومن آليات تلك المعالجة، تأتي عملية التوطين في أجهزة الرقابة والتفتيش، ورفع كفاءة وخبرة العاملين فيها، واستحداث إدارات رقابية في مختلف وزاراتنا، ومصارفنا، ومؤسساتنا المالية، وشركاتنا الوطنية، وسن تشريعات وقوانين اتحادية لإنزال أشد العقوبات بأولئك الذين تسول لهم أنفسهم المريضة الإساءة إلى دولتنا، وسمعة شركاتنا، ومؤسساتنا، ومصارفنا.

ولعل أكثر القطاعات حساسية، هو القطاع المصرفي التجاري المؤتمن على أموال الحكومة الاتحادية، والحكومات المحلية، وكذلك أموال المساهمين والمودعين.

وتلك الحساسية، تستوجب وجود أجهزة رقابية عالية الكفاءة والخبرة، وعلى درجة عالية من الإحساس بالمسؤولية والانتماء والأمانة. وهذا لا يتحقق من خلال زيادة عدد الأجانب في جهاز الرقابة والتفتيش في المصرف المركزي، والمخول التفتيش على عمليات المصارف التجارية، فأحياناً تحدث تجاوزات من قبل المصارف التجارية، ويكشفها هؤلاء المفتشون، إلا أنه يتم تجاوزها لضعف في انتمائهم، أو لأسباب يدركها القائمون على أجهزة الرقابة والتفتيش.

وربما تمر تلك التجاوزات في عمليات المصارف التجارية، بسبب نقص في خبرة المفتشين وعدم كفاءتهم! وفي هذه الحال تجدر التساؤلات حول آلية اختيار المفتشين، وأجهزة الرقابة في المصرف المركزي، للتفتيش على المصارف التجارية من حيث معايير الاختيار، ودرجة وكفاءة وخبرة ومعرفة لجنة الاختيار؟! وهل يتم الاختيار من قبل فريق مؤهل من المصرف المركزي أم يعزى ذلك إلى شركات متخصصة وذات كفاءة عالية، تقوم بترشيح المفتشين الأجانب، أم شركات تقوم بتسمية المرشحين لأسباب خفية ومصالح وإغراءات معينة، وبالتالي يفتقر هؤلاء المفتشون للإحساس بالمسؤولية، والأمانة العملية، والخبرة الفنية؟

وحيال هذا الوضع، ومع ازدياد قصص النصب والاحتيال والجرائم الاقتصادية التي تطالعنا بها صحف يومية، يستوجب تحقيق إصلاحات في أجهزة الرقابة والتفتيش في المصرف المركزي، من خلال الالتزام بسياسة التوطين والإحلال، ثم التدريب والتأهيل للكوادر المواطنة، بالابتعاث إلى المعاهد والمؤسسات المتخصصة في التفتيش على عمليات المصارف، وفق برنامج زمني، ثم إيجاد كادر خاص يتضمن مزايا ورواتب العاملين في فرق التفتيش، وتدرج وظيفي مدروس يعزز الكفاءة والقدرة، ثم الثقة بالطاقات المواطنة.

وفي حال اختيار الخبرات الأجنبية، فإنه يجب تأكيد أهمية وجود معايير وشروط الاختيار والترشيح والقبول، كي لا نضطر إلى قبول مفتشين أجانب ليسوا بمستوى من الكفاءة المطلوبة.

إن توطين جهاز الرقابة والتفتيش في المصرف المركزي، ورفده بالكفاءات الوطنية المؤهلة بالخبرات الفنية الأجنبية، ذات السمعة الجيدة والخبرة الواسعة، إنما هو من مسؤولية المصرف المركزي، مؤكدين على أن توطين وتأهيل الجهاز الرقابي في المصرف المركزي، لا يقل أهمية عن توطين وتأهيل الجهاز الأمني والعسكري والقضائي في الدولة، في مسيرة بناء الثقة والشفافية والصدقية في أجهزتنا الإدارية والمالية والمصرفية والاقتصادية.

 

alshamsi.n@hotmail.com

تويتر