هويّة يذوّبها إعلان!

لم أكن لأشاهد هذا الإعلان أو لأتوقف عنده كثيراً، ولكن أحسب أنه يبعث في داخل من يشاهده شيئاً من الشك والريبة جهة القصد منه والهدف من ظهوره المتجدد!

الإعلان يصوّر من الخلف رجلاً يضع الغترة والعقال، في لقطة يصوّرها معهد تعليمي لشاب إماراتي ينتظره مستقبل باهر حال التحاقه بهذا المعهد. الإعلان كان حاضراً بإحدى الصحف المحلية هنا بالدولة، خلال الأسابيع الماضية، ولكني أستدرك هنا إعلانات أخرى صوتية تبعث القلق ذاته. إن طريقة الإعلان لم أشاهدها حتى ضمن البوم الصور القديمة لمواطني الدولة في الزمن الجميل من ستينات القرن الماضي، ومصدر القلق ومبعثه هذا العبث عن -قصد أو من دونه- في إطلاق مثل هذه الصور الغريبة، التي أرى إمكانية الحدّ منها، ولن أبالغ كثيراً إذا ذهبت إلى بترها نهائياً من جذورها، لما تشكله من إفساد للذوق العام، وإساءة لصورة الإماراتي الذي هو بعيد تماماً عن هذه الصور، التي أحسبها من بنات أفكار رأس غريب يقصد العبث لا أكثر، ولربما ضاق عنده الأفق، فلم يسمع أو يشاهد ذاك الزي من قبل! نحن أمام شواهد وحقائق لا تحتمل قدراً أكبر من وضعها ضمن نصابها، ونحن لسنا بحاجة إلى من يصوّرنا أو يضعنا خلف إطار من التقليل بالشكل العام، وأين في صحفنا المحلية! أضف إلى ذلك تعدياً آخر صارخاً هنا بالإذاعات المحلية، عندما تسمع حوارات مخجلة -وهو غيض من فيض مستمر- بين فتيات أو شبان يسوقون محال تجارية أو صالونات أو أندية رياضية، ولا أعلم مصدراً جغرافياً هنا بالدولة، يمكنني من خلاله اعتماده أو الاستناد إليه أو نسبته في تأصيل اللهجات المستخدمة في التسويق، وكأنه ينقصنا ذرّ الغث من الكلام في مقلة الهوية والتركيبة، التي نسعى جاهدين إلى الإبقاء على حضورها هنا بين العموم السعيد وخشية الذوبان! وما يبعث الأسى أحياناً أنك تسمع أصواتاً تعلو من هنا وهناك مطالبة بوقف مثل هذه الإعلانات الرخيصة (ولكنك أشبعتَ الخلاء البعيد من أصوات تصرخ والهباء رفيقها حيثما ذهبت وحلت)، ولكني أحسب أن تتحمل الجهات القائمة على أمر الصحف والإذاعات المحلية والأجنبية على حد سواء، مسؤوليتها في إرساء معايير ومقاييس جديدة، تؤسس لرسالة توجّه لمن يرغب في تسويق إعلانه، ومفاد الرسالة احترام سمع ونظر متلقي الرسالة، متمنياً ألا نصل إلى قاعدة التشريع، من أجل فرض وتطبيق معايير وأسس تكفل حماية سمع وبصر المتلقي، ونحسب أن الأداء المهني الراقي يفترض حضوره لدى تلك الجهات، إلا إذا كان للبعد المادي أثر في أمر تلقّي وعرض الرسالة المرئية والمسموعة! وبكل ما تبعثه من عبث في ذوق المتلقي وإزعاجه، من دون التحسس لمثل هذه الانبعاثات السامة، التي أعتقد أنها ترتكب عن قصد، آملاً أن يكون اعتقادي في غير محله، خشية أن تعتاد الأعين قبل المسامع، مشاهدة واستنشاق غبار الأزمة، الذي بات يقاسمنا المجلس والخلوة، فمن لي بالمقص أو تشريع أهل الاختصاص؟

 

alfalasi.salah@gmail.com

تويتر