صحافة اليوم

حمدان الشاعر

تنازلت الصحافة عن عرشها لتتركه لوسائل إعلامية أخرى، فقد تضاءل الخبر المحلي والهم العام وتحول إلى مجرد هامش بلا ضوء أو أسئلة، وانزوى إلى استعراض سطحي لما يعتمل في صدر المواطن. وأتى التلفزيون والإذاعة ليأخذا حيزاً كبيراً في الزمان والمكان والاهتمام في استيعاب ما يدور حولنا، ولعل برامج «البث المباشر» اليومية تلعب دوراً مهماً ومؤثراً في رصد واقعنا المعيش وما تأتي به المستجدات كل صباح.

ولكن ماذا أصاب الصحافة؟ كيف تخلت عن دورها كسلطة رابعة ووعي مسؤول عن تحولات المجتمع واهتماماته؟ هذا التراجع الذي تشهده صحفنا المحلية يأتي في الوقت الذي تقول الصحف الأجنبية كل شيء عنا بل وتتسابق في كشف ما لم تأتِ به صحفنا، ولعل صحف الغرب اليوم أكثر وعياً وانفتاحاً على قضايا مواطنيها وأكثر رصانة وصدقية، وهو الأمر ذاته المفتقد لدينا لدرجة الاستغراب والتحسّر.

واقعنا المحلي مرصود من الإعلام الغربي عبر المراسلين والجاليات وحتى السفارات، وبالتالي هناك صورة إعلامية محلية في الغرب تكاد تكون مغايرة لما نراه في إعلامنا المحلي، وهذا الاختلاف له نوعان الأول أخبار منشورة لم يتطرق إليها أبداً في إعلامنا المحلي، والآخر أخبار يُنظر إليها من زوايا غير التي نعرفها، ولهذا الأمر انعكاس أقل ما يوصف بأنه خطر، وقد يؤدي إلى فقدان إعلامنا المحلي صدقيته ويجعل منه سبباً لأن يتجه الجمهور إلى مصادر معلوماتية يستقيها من كل اتجاه حتى لو كانت «إسرائيلية» أو «صهيونية».

وإذا كانت الصحف الأجنبية المحلية لها هامش أوسع في الخوض في قضايا غير مطروحة في صحفنا العربية وتمنح الأجنبي فرصة التعليق على الشأن المحلي بمنتهى الحرية فإن التناقض صارخ هنا، فالطرح بغير العربية لا يفقد الموضوع أهميته ولا يعطي للغير الحق في التعليق على واقع محلي صرف ويحرم منه المواطن.

الفرق الذي لابد أن يلحظه الجميع يتضح من خلال مقارنة بسيطة بين صحفنا في الثمانينات وصحف اليوم التي صارت صفحات للعلاقات العامة والدعاية، في حين أن الهم المحلي مغيب في التحقيق أو الخبر أو حتى الكاريكاتير إلا ما ندر.

بعد كل منجزات الدولة الحضارية في كل الصعد والميادين لابد أن يتوازى هذا المنجز مع منجز حضاري متميز يكون أول واجهة له هو الإعلام والصحافة تحديداً، التي لابد أن يكون مضمونها خالياً من الخوف أو الارتباك أو التطبيل بلا داع، فلا أحد يجهل الحقيقة مهما حاول البعض تأجيلها أو إخفاءها أو تزييفها.

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر