راجع تعليقك.. لو سمحت

من أجمل مايميز جريدتنا الحبيبة هذه، أنها تدخل كل بيت فيتفاعل معها جميع أفراد المجتمع كأسرة كبيرة، ومن كثرة ودوام المشاركات من كل الطوائف، أصبحت هناك علاقة اجتماعية بين القراء، لها روح إماراتنا الحبيبة بقيَمها وشيَمها وتراثها.. ما يحرك غيرتنا لو أن أحد أفراد الأسرة بدا منه ما ينبغي أن يراجع نفسه فيه، فهو أولاً وأخيراً عضو في الأسرة ولبنة في المجتمع، ومن هنا فإن بعض التعليقات لا تعبر أبداً عن طبيعتنا، ويحتاج كاتبها إلى عتاب المحبة، ولنأخذ مثلاً هذا الزخم الصادق من الثناء والإطراء على أمانة حبيب سوداني ردّ خمسة ملايين درهم وضعت خطأً في حسابه، لكن تأتي بضعة تعليقات قرأها أبناؤنا تشعر منها بالجد مخلوطاً بقول الهازل، ومن هذه العيّنات:

(والله لو كنت مكانه بشل البيزات وبسير وما بقول لحد وإن شاء الله عمرهم ما عرفوووا.. الدنيا فرص وأنا أعتبر هذي فرصة).

(هي فعلاً بتجمد التفكير لكن لو أخدت نفس شوية، واستشرت غيرك كان زمانك دلوقت في عالم تاني بتلعب بالفلوس لعب يِدّي الحلق للي ملهوش ودان).

(أنا لو مكانه باخذ هالبيزات وبرد بلادي وخلي البنك يدبر راسه لأنه بصراحة بنوك ما تنعطى ويه).

(والله إنك سوداني ريّال، بس دمك بارد، ليش رديت الفلوس هذي 5 ملايين، يعني تشتري لك فيلا وسيارة وبيت في السودان، وتفتح لك كم من محل و.. و.. و.. إلخ.. يا ريتني مكانك بس آآآآخخ).

(إذا أنا بدال الأخ السوداني كنت بصبر على الأقل ستة شهور، إذا محد سأل عن المبلغ باخذه حقي.. منو قالهم يغلطون وما يسألون، القانون لا يحمي المغفلين).

خمسة تعليقات، لابد من منطلق تربوي أن نتوقف عند كتابتها وتسجيلها، لا من خلال نظريات الفلاسفة ولا من إسقاطات علم النفس، إنما ببساطة قيمنا الموروثة وجميع الديانات. فإن كان الكلام مزاحاً، فقد كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا صدقاً، بل وحذر من المزح إن تعارض مع القيم، فقال: إن الرجل لينطق بالكلمة لا يلقي لها بالاً يُضحك بها جلساءه، يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً، كما قال (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيرضى الله عنه يوم القيامة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيسخط الله بها إلى يوم يلقاه) (الحاكم). وقد قال تعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (ق 18).

أما إن كان الكلام غير مزاح فالمصيبة أعظم، إن ظن الإنسان أن الخيانة فرصة، وأن الأمانة خيبة، فماذا نعلم أبناءنا؟ ولكل من تمنى أن يكون مكان الرجل مازحاً أو صادقاً عطاؤه من ربه على إحدى النيّتين، فقد قال صلى الله عليه وسلم «يؤتى برجل يوم القيامة لم يؤت مالاً ولا علماً يقول لو أن لي كفلان (رجل فاجر) لفعلت فعله، فهو ونيّته فهما في الوزر سواء» ( الترمذي).

فراجع تعليقك.. لو سمحت

 المستشار التربوي لبرنامج «وطني»
mustafa@watani.ae

تويتر