لجنة لتقصّي أسباب الأزمة المالية
كانت للوقفة الأخوية التي قامت بها العاصمة أبوظبي مع شقيقتها دبي، بمنح قرض لسداد مستحقات شركة دبي العالمية أثر كبير في نفوس المواطنين في الدولة. والآن تعمل حكومة دبي مجتهدةً لتخفيف تأثير الأزمة المالية العالمية في الإمارة وسداد مستحقات المقرضين، وأتمنى أن تقوم الإمارة ببحث أسباب هذه الأزمة لتكون درساً نتفادى به بعض الأخطاء في المستقبل.
فشروعنا في دراسة أسباب الأزمة سيكون أكبر دليل على أن الإمارة تُعد من المدن العالمية المتقدمة لأن المسؤولية والحوكمة تتطلبان نظرة ذاتية لنتعلم من تجاربنا ونبحث في أسباب تراكم 80 مليار دولار على الإمارة، وهو ما يعادل ناتجها المحلي السنوي. أحد الأساليب قد يكمن في إنشاء لجنة لتقصّي أسباب الأزمة المالية، وتراكم هذا المبلغ الكبير من الديون على الإمارة. ينبغي لهذه اللجنة أن تكون مستقلة ومتخصصة ويرأسها شخص غير مرتبط بأي من الشركات التي تراكمت الديون عليها، ولا ضير في أن يكون لها عنصر اتحادي بما أنها ستقدم تقريرها النهائي إلى رئيس الوزراء، حاكم دبي. فقد قامت الولايات المتحدة في يوليو الماضي بإنشاء لجنة للبحث في أسباب الأزمة المالية مدتها 18 شهراً لتقدم تقريرها في ديسمبر هذا العام. هذه اللجنة المكونة من 10 أشخاص اعطيت صلاحيات واسعة من بينها الحق في التحقيق مع أي مسؤول، وميزانية قدرها ثمانية ملايين دولار للتأكد من استقلاليتها. وهي ليست أول لجنة لتقصّي أسباب أزمة مالية في الولايات المتحدة، فقد اُنشئت لجنة بيكورا في أوائل الثلاثينات من القرن الماضي للبحث في أسباب انهيار سوق وول ستريت المالي في ،1929 وقامت بمساءلة رؤساء البنوك وشركات الاستثمار والوساطة. وكانت نتائج تلك اللجنة إيجابية حتى إن في أعقابها تم تجريم التلاعب بالأرقام المالية أو إعطاء انطباع غير صحيح بأن الشركات مربحة، وإنشاء هيئة رقابية تعمل إلى يومنا هذا بالإضافة إلى تأسيس قوانين حوكمة وأمور كثيرة أخرى. وأخيراً قامت أستراليا وأيرلندا والاتحاد الأوروبي بإنشاء لجان تقص مشابهة.
أتمنى أن تقوم دبي بإنشاء لجنة تقص للبحث في الأخطاء التي قامت بها فئة من الأشخاص وتأثر بسببها الأكثرية. وسيمكننا تقرير اللجنة من تجنب أخطاء بعض الإداريين كاستخدام الطائرات الخاصة في الوقت نفسه الذي تمتلك فيه دبي أفضل أسطول جوي في العالم، يصل إلى أكثر من 100 مدينة في العالم. وكيف سجلت بعض الشركات أرباحاً غير حقيقية ليحصل المسؤول فيها على «بونص» أو مكافآت. وأيضاً كيفية تجنب التكرار، كما حصل عندما كانت شركتان تابعتان لدبي العالمية تفاوضان في عام 2007 بنوكاً على تسهيلات في الوقت نفسه من دون تنسيق مسبق بينهما. وسنتعرف إلى أسباب وكيفية أخذ قروض قصيرة الأجل لتمويل مشروعات طويلة الأجل، ما اضطرنا إلى أن نفاوض عدداً كبيراً من البنوك في زمنٍ قصير عند استحقاق القروض. وسنعلم عن سبب استثمارنا في مشروعات غير مجدية خارج الدولة لن أسميها، وهي معروفة للجميع قصدها الدعاية لا غير. من المؤكد أنه لن يكون عمل تلك اللجنة سهلاً على الإطلاق، لكنها ضرورة في رأيي المتواضع ستمكننا من إعادة الثقة باقتصادنا الوطني. وأخيراً سيكون التقرير درساً مهماً لبعض المؤسسات الإماراتية الأخرى التي مازالت تقوم بالغلطات نفسها، التي أدت إلى الأزمة المالية، والتي ذكرتها في الأسطر السابقة.
زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية