الأزمة الاقتصادية ..1929 والأزمة المالية 2008 «2»

نجيب الشامسي

لم يقتصر أثر الأزمة وانعكاساتها وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية، وإنما انسحب على الأوضاع الاجتماعية والبشرية والتنموية والأمنية والسياسية، حيث أصبحت البطالة السمة البارزة وأهم معطيات الأزمة، كما لا ننسى خسائر الشركات الإنتاجية، خصوصاً شركات إنتاج السيارات، التي أصبحت تعاني كساداً حقيقياً وموجعاً للاقتصادات الرأسمالية عامة.

ومن المرجح أن تكون تبعات الأزمة المالية الجديدة 2008 أكبر بكثير مما نشاهده حالياً، حيث برزت ظواهر خطيرة على الأوضاع الاقتصادية، مثل تفشي الفساد بمختلف أشكاله، ومنها الفساد الإداري والمالي كالرشوة والاختلاس، الذي لن يقتصر على مؤسسات القطاع الخاص فحسب، وإنما على الهيئات والوزارات والدوائر الحكومية، خصوصاً في دول العالم الثالث.

ومع تزايد أعداد العاطلين عن العمل، بسبب تسريح الشركات شرائح مختلفة من عمالتها في مختلف دول العالم، فمن الطبيعي أن تتفاقم الأوضاع المعيشية والاجتماعية الصعبة لمواطني تلك الدول والمقيمين فيها، وتعتبر ظاهرة التضخم وارتفاع الأسعار إحدى ظواهر الأزمة المالية العالمية، لاسيما إذا ما أقدمت دول العالم على سياسة مالية انكماشية، ومن ثم زيادة الضرائب على الدخل، وبروز التضخم المالي.

من الصعب جداً التكهن بآثار وتداعيات الأزمة وانعكاساتها النهائية على الأوضاع في الساحة العالمية، ومنها دول الخليج، حيث إنها مازالت تتفاعل لتشكل بعد ذلك اختراقات صعبة في الاقتصادات الضعيفة وغير المحصنة بالقدر الكافي.

وهذه الأزمة هي في حقيقتها تختلف عن بقية الأزمات التي تعرضت لها مناطق معينة من العالم وكانت آثارها محدودة، والتي استطاعت دول العالم تجاوز آثارها؛ والأسباب التي تجعل درجة زلزال هذه الأزمة كبيرة وخطيرة تتمثل في أن هذه الأزمة جاءت في ظل قطبية اقتصادية واحدة هي الولايات المتحدة، التي شكلت قبل هذه الأزمة القوة الاقتصادية الأولى المنفردة في العالم، والمتزعمة للرأسمالية العالمية بعملتها وسلطة القرار الاستراتيجي لديها.

إن هذه الأزمة جاءت في ظل بروز قوى اقتصادية عالمية جديدة تتنازع سلطة القرار الاستراتيجي، لاسيما الاقتصادي، وعلى رأسها الصين وروسيا والهند، ثم دول الاتحاد الأوروبي؛ وهذه القوى تتنازع سلطة القرار الاقتصادي العالمي مع الولايات المتحدة بعد أن ضاقت ذرعاً بالهيمنة الأميركية على سلطة القرارات الاستراتيجية في العالم، ونزعتها للسيطرة على مكامن الثروات والأسواق التجارية والمالية في مختلف أرجاء العالم.

alshamsi.n@hotmail.com

تويتر