الأزمة الاقتصادية 1929.. والأزمة المالية 2008

نجيب الشامسي

على الرغم من أن الفارق بين الأزمتين يصل إلى نحو 80 عاماً، فإن التاريخ يعيد نفسه، سواء من حيث الظروف المواتية للأزمة، أو الأسباب المؤدية لها أو التداعيات والانعكاسات التي أفرزتها الأزمتان.

فإبان الأزمة الأولى لجأت الدول الرأسمالية إلى تطبيق نظام الاقتصاد الموجه بدلاً من النظام الرأسمالي الحر، وأمّمت بعض الصناعات المهمة وراقبت الأسعار، وأشرفت على توزيع المواد الأولية، وخفضت العملة مع وضع حد أدنى للأجور، وطالبت دول العالم ـ بما فيها الدول الرأسمالية ومنها دول الاتحاد الأوروبي ـ بمراجعة النظام الرأسمالي ذي القطب الواحد، ورفضت الهيمنة الأميركية على سلطة القرار الاقتصادي أو الانفراد بسلطة القرار الاستراتيجي في العالم.

وفيما سعت دول العالم إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي إثر الأزمة العالمية الأولى عام 1929 ،فإن دول العالم وإثر الأزمة المالية الجديدة 2008 بدأت تسعى إلى الاعتماد على ذاتها وترميم أوضاعها الاقتصادية، خصوصاً في ظل التكتلات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك دول العالم الثالث.

وفيما ظهرت أنظمة سياسية خارج إطار النظام الرأسمالي إثر الأزمة الاقتصادية الأولى مثل النازية في ألمانيا، والشيوعية في روسيا، وحكومة فرانكو في إسبانيا، والفاشية في إيطاليا، والعلمانية في تركيا، نجد أن هناك ردود فعل من قبل الأحزاب والأنظمة السياسية الحاكمة ضد الرأسمالية الأميركية، مثل المطالبة بعودة الاشتراكية في دول الاتحاد الأوروبي، وبروز روسيا كقوة استراتيجية في أوروبا، وكذلك كوريا الشمالية كقوة عسكرية مناهضة للولايات المتحدة في آسيا، وبروز تكتلات اقتصادية في آسيا مناهضة للرأسمالية الأميركية، فيما انطلقت في دول العالم الإسلامي دعوات إلى تبني نظام مالي إسلامي شامل، بديلاً عن الرأسمالية التي جـرّت العالم إلى أزمة خانقة تعاني منها مختلف شعوب الأرض.

وفيما كان التأثير سلبياً ومباشراً في الدول التي تعتمد على التجارة والانفتاح الاقتصادي، مثل بريطانيا إبان الأزمة الاقتصادية الأولى، فإن التأثير كان كبيراً واجتاح العديد من دول العالم في مختلف القارات، ولكن بدرجات متفاوتة إثر الأزمة الاقتصادية العالمية الثانية عام 2008.

وبرزت إبان الأزمة الجديدة قوى اقتصادية استراتيجية، مثل الصين وروسيا، حيث كانت درجة تأثرهما بالأزمة محدودة مقارنة ببقية الدول، وأصبحت هذه القوى، فضلاً عن الهند ودول آسيوية، الأكثر استقراراً والأقل تأثراً بالأزمة، ونجحت في استقطاب اهتمام عالمي واستثمارات دولية كبيرة توجهت إلى أسواقها واقتصاداتها.

وفيما كانت الشركات الكبرى والمصانع الاستراتيجية الأكثر تأثراً من حيث الخسائر التي تكبدتها، والعمالة التي سرحتها، والانخفاض الحاد في إنتاجها والمديونيات المتفاقمة في موازناتها، وذلك إثر الأزمة الاقتصادية الأولى عام ،1929 فإن الوضع لا يختلف عما حدث مع الأزمة المالية الجديدة، بعد أن كانت تداعياتها خطيرة ومباشرة على مختلف دول العالم، ومنها الدول الرأسمالية ذاتها، والصناعية على وجه التحديد.

 

alshamsi.n@hotmail.com

تويتر