سيدي المسؤول، تنازل عن منصبك الآخر
إذا ذكر شخص ما كلمة حوكمة، ينتقل تفكيرنا الى عالم الاقتصاد والأعمال. في الواقع كثير من الشوائب التي تواجه الإمارات هي بسبب غياب قوانين الحوكمة التي تمنع، إن تم التقيد بها، استغلال الوظيفة لجني منفعة خاصة من قبل المسؤول. وللأسف فإن الإمارات لديها طريق طويل حتى تلتحق بباقي دول العالم في هذا المجال. فمثلاً، غير مستغرب في الإمارات اليوم، ونحن في سنة ،2010 أن يجلس وزير دولة في مجلس إدارة شركات مدرجة. فالقانون يقبل ذلك، ومجتمعنا يقبل ذلك. وفي حالات أكثر غرابة تجد المسؤول نفسه في مجلسي إدارة شركتين متنافستين. قد لا تمانع الحكومة المحلية أو الاتحادية من أن يمثل مصالحها الشخص نفسه، ولكن معظم المستثمرين يفضلون أن يكون هنالك فصل في هكذا أمور تؤثر سلباً في سمعة الإمارات.
في سلطنة عمان مثلاً يمنع الوزير من شغل مناصب تجارية اخرى ولا يسمح لأي فرد بالجلوس في مجالس إدارة أكثر من خمس شركات. وفي الإمارات تختلط المسؤوليات إلى درجة خيالية. فتجد نفس الشخص الذي يشغل منصب الرقيب هو نفسه مسؤول المؤسسة المعنية في الرقابة. مثلاً تجده في مجلس إدارة البنك المركزي وتجده في مجلس إدارة بنك تجاري. فإن ارتكب خطأ فهل يا ترى سيعاقب نفسه؟
الحقيقة أنني لا اتوقع أن يُصدر قانون للحوكمة في الإمارات لأسباب عدة، فقررت الآن أن أحادث المسؤول رأساً. لنرى إن كان هذا الأسلوب مجدياً.
سيدي الكريم، سواءً كنت تعمل في القطاع الخاص أو العام، إن وجدت نفسك في منصبين متضادين أو بهما مصالح متضاربة اذهب إلى المسؤول الكبير واطلب منه أن يجد شخصاً آخر لشغل أحد المناصب. أفهمه بأن مصلحة الوطن تقتضي أن تفصل ما يسمى بالجدران الصينية بين المناصب. لا تضع نفسك في موقع قد يشكك في قيمك فرداً أو يسائلك بعد بفترة من الزمن إن شابت شائبة، حتى إن كنت ذا قيم عالية. ولا تنتظر قانون الحوكمة كي يصل فالطريق أمامه طويل ومليء بالعقبات. إن أعطاك المسؤول مسؤوليات كثيرة متضاربة اعتذر وارفض، وتذكر أن الأمانة لا تحسب بما قمت بفعله لأجلها، ولكن أيضاً بما تقايست وتكاسلت عن فعله. سبب تقبلنا تراكم المسؤوليات يرجع إلى كون الإمارات دولة شابة ما كان من السهل الحصول على عدد كبير من المسؤولين المؤهلين في السبعينات من القرن الماضي، ولكن الآن اختفى هذا العذر ولكن التطبيق لهذه العادة السيئة لم ينتهِ بعد.
الكثير من الاختلاسات المالية سببها غياب الحوكمة من القانون ومع انني إمارتي افتخر بأن بلدي يعاقب معظم «إن لم يكن الكل بعد» مَن سولت لهم أنفسهم استغلال مناصبهم للمنفعة الخاصة، تمنيت لو أنها أيضاً قامت بإدخال قوانين للحوكمة لتمنع استغلال الوضيفة قبل أن يحدث. فأثر غياب هذه القوانين على قطاعات العقار والتمويل، وحتى في الحكومات المحلية والاتحادية، كبير وأثّر سلباً في سمعة الإمارات وعلى المستثمرين المحليين والأجانب. وحتى تلتفت الحكومة إلى أهمية وضع قانون فعال للحوكمة، يجب علينا كإماراتيين أن نضع مصلحة الوطن قبل المعاشات والمناصب. فإن وجدت نفسك يا أخي في منصبين تتضارب فيهما المصالح، فكر في الوطن، اعمل معروفاً اترك احدهما لغيرك.
زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية