وعي مقاومة الحصار

خالد محمود

الدعوة إلى كسر الحصار الفلسطيني على غزة واحدة من أشرف قضايا عصرنا في اللحظة الراهنة، من مدخل أن شعباً أعزل يتعرض لعقاب جماعي بسبب خياره الوطني والديمقراطي، ومن باب أن كل شيء يغتفر في الدنيا إلا الإذلال المتعمد، ومن باب أن الرياء العالمي تكشف على أقصى مداه، في التواطؤ على الجريمة الإسرائيلية بينما تهب العواصف الإعلامية الدولية للدفاع عن قضايا عابرة، يكاد يكون تعريف الإهانة فيها أمراً تقديرياً.

على أن هذه الدعوة ـ أي لكسر الحصار ـ على نبلها، بل وربما بسبب نبلها، تتطلب تكوين ورعاية وعي خاص للحفاظ على نقاء القضية التي تدخلها الشوائب من كل جانب، وللحفاظ في الوقت نفسه على قوة دفعها، باعتبار أن الحركات الشعبية والقوافل المقاتلة السلمية أصبح لها الآن طابعاً عملياً ضاغطاً، ولم تعد ذات قيمة دعائيةفقط، وأنها، كما تشير دلائل، ستؤثر إيجابا في رفع أو على الأقل تحجيم التطويق الإسرائيلي للشعب الفلسطيني في غزة فعلى مستوى ابتدائي، تحتم المسؤولية على مقاومي الحصار ادراك أن كسب الشعوب يتطلب مستوى من الحساسية يحتاج أحياناً حتى إلى التضحية بتحركات تبدو ثورية ومبدئية. وعلى سبيل المثال فإن الاشتباك الذي حدث بين المتظاهرين الفلسطينيين على حدود غزة وقوات الأمن المصرية، ونجم عنه استشهاد جندي مصري كان يقف للدفاع عن وطنه وحدوده، جاء خصماً من الدعم الشعبي المصري الواسع لشعب غزة، الذي شهد العالم أبرز تجلياته في الجلسة البرلمانية الصاخبة التي قدمت فيها المعارضة المصرية أكثر من 18 طلب استجواب للحكومة المصرية بسبب الجدار الفولاذي، كما جاء تعزيزاً للنعرة التملصية في مصر من قضايا المنطقة، التي لها أنصارها منذ زمن النقراشي وحرب ،1948 وحتى مبادرة القدس ،1977 وإحراجاً للقوى الشعبية المناصرة إلى آخر المدى للقضية الفلسطينية. وعلى مستوى ثانٍ، وفي قضية تبحث عن نتيجة ملموسة، فلابد للداعين إلى مواجهة الحصار من ترسيم الحدود السياسية لسقف الشعارات المطروحة بدقة، بحيث تتضمن مستوى من القبول والمعقولية.

فرفض إقامة جدار أميركي ـ إسرائيلي على أرض مصر يجب ألا يختلط بشعار غوغائي فوضوي من نوع فتح الحدود، كما أن دعوة مصر لتحمل مسؤوليتها الإنسانية والسياسية تجاه شعب شقيق يجب ألا تختلط بالدعوة الى اهدار سيادة مصر على حدودها. على مستوى ثالث تجب مواجهة «تسييس» قضية الحصار من قبل الجميع. والمقصود بالتسييس هنا ليس نزع جوهرها الفكري بوصفها جزءاً من قلب الصراع، بل وربما جبهته الأولى، بل المقصود قطع الطريق على تحويلها إلى قضية جهوية أو حزبية أوفصائلية، بسطور أدق، فإن جزءاً مهماً من قضية الحصار، وقبلها المعابر، ينتمي الى صراع «فتح» و«حماس»، والأخيرة لو قررت أن تعزل القصة عن صراعها الفصائلي لكان أمامها جملة بدائل. كذلك يكمن في قاع هذا المستوى نفسه، التباسات تتعلق بانتماءات «حماس» الأصولية وتعاطف وتحرك قوى أخرى من المسار نفسه معها، ما يعطي القضية أحياناً لوناً معيناً ويعزلها عن بقية المتعاطفين معها عربياً وعالمياً. وعي مقاومة الحصار يتطلب السمو بالقضية فوق الاعتبارات السابقة، وفوق كل المزايدات الإعلامية والسياسية لأن في ما قاله جورج غالاوي، أول من أمس، لـ«الجزيرة» من أن هناك قافلة شريان رابعة سيقودها هوغو تشافيز، وخامسة ستقودها جنوب إفريقيا وسادسة سيقودها مهاتير محمد، ما ينبئ بأن القصة ستصبح معركة تحرير عالمية، وذاك ما يدفع إلى الحفاظ أكثر فأكثر على وليدها الذي يحبو.

alayak2005@yahoo.com

تويتر