بين عامين

حمدان الشاعر

ليست الأعوام رقماً يضاف إلى التاريخ، ولا حتى ذكرى تمحوها الأيام اللاحقة، فالأمس ليس شبيهاً بالغد، وتماثل الأيام لن يجعلها نسقاً واحداً، فلكل يوم تفرده، ولكل عام تاريخه الحافل بالجديد، مهما كانت فرص التشاؤم قائمة. فعلى الرغم من التحديات في عالم متغير ومتجدد باستمرار، وعلى الرغم من التشابك في المصالح والتقاطع في المسؤوليات، يظل العالم بحاجة إلى بعضه بعضاً لمنفعة البشرية وسلام مستقبلنا.

لاشك أن عام 2009 كان متميزاً على الصعيد المحلي، فقد نجحت دولة الإمارات في مساعيها في استضافة «أيرينا» باتخاذ «أبوظبي» مقراً لهذه المنظمة الدولية للطاقة المتجددة، كما برزت مساهمات جادة تعزز استخدامات الطاقة الخضراء وتدشين عهد جديد من الريادة عبر مشروعات توليد الكهرباء من الطاقة النووية، التي ستشكل علامة فارقة في مستقبل التنمية في الدولة. وعلى الرغم من عدم استضافة مقر المصرف المركزي الخليجي وانسحاب الدولة من الاتحاد النقدي، فإن عزيمتنا أكبر على نمو اقتصادي مستدام عبر خطى واضحة واستراتيجيات فاعلة. كما لا يجوز أن نغفل إجراءات مكافحة الفساد، التي استتبعت تفاقم ثروات البعض واستغلالهم للمال العام أو هدره عبر تسهيلات مشبوهة واستغلال للمنصب في توريةٍ للحقيقة وادعاء بالباطل. وعلى الرغم من تداعيات الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني، فإن الحقيقة تقول إن الفرصة مواتية لمراجعة الأخطاء والتقاط الأنفاس وتصحيح العديد من الإشكاليات التي عمّت أسواق المال والعقار. فالذكاء يكمن هنا في استدراك تبعات المشكلة ومعالجتها بحرفية وإدراك لطبيعة الواقع الاقتصادي وتطلعاته الطموحة دون مساس بثوابتنا وقيمنا وبيئتنا.

وعطفاً على واقعنا العربي، فليس أصعب على عقولنا وقلوبنا من كارثة حرب غزة التي مازال أهلوها يعانون الأمرين جراء حصار قاس، لا يزيد أهله سوى بطولة وصمود منقطع النظير.

كما لا يفوتنا التنويه إلى أن القمة العربية الاقتصادية، التي حفلت بآمال عريضة ومستقبل مزهر ولكن بواقع مؤجل وطموحات متوقفة حتى تحين الإرادة السياسية كقوة دافعة، ترتفع فوق المصالح القطرية وتعلو فوق الخلافات والفرقة.

وعلى المستوى العالمي لا يوجد إخفاق أكبر من قمة كوبنهاغن، جراء عدم التوصل إلى اتفاق عالمي ملزم لقضية التغير المناخي عندما تتفوق أنانية الرأسمالية، وكأن العالم لا يعني أحداً، وأن الخراب لن يمس إلا الفقراء، فحتى الأوبئة والأمراض التي تفشت لن تنال سوى المعوزين والفقراء الذين ليس لهم نصيب من الأدوية والأمصال.

يا له من عام مملوء بالتناقضات، محمل بالآمال والآلام، ولكن الحلم سيجعل من ذكراه دافعاً نحو بناء مزيد من الإنجازات، فالعام المنصرم ليس مجرد رقم، بل هو تاريخ وتراكم خبرات وتجارب، وعلينا اليوم أن ننسج من الأمنيات أعمالاً قائمة على نبل التجربة ونضجها، فعلى الرغم من كل شيء.. كل عام والعالم بخير.

 

hkshaer@dm.gov.ae  

تويتر