زيادة المعاشات السلبية
كان لأنباء زيادة رواتب القطاع الحكومي في الإمارات 70٪ أثر كبير في نفوس العاملين في هذا القطاع. ولكن الصورة غير كاملة، إذ يوجد وجه آخر لتلك الزيادة له تأثير سلبي على توظيف الشباب في القطاع الخاص. الحقيقة هي أن حكومة الإمارات تواجه تحدياً كبيراً في تشجيع الشباب الإماراتي على الالتحاق بالقطاع الخاص، فالأرقام الرسمية من دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي تؤشر إلى أن عدد المواطنين في ذلك القطاع يصل إلى ما دون 1٪، ولا يتجاوز الأربعين ألفاً في قطاع يوظف قرابة الأربعة ملايين شخص. بالإضافة إلى ذلك قدرت هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية «تنمية» عدد المواطنين العاطلين عن العمل بـ 31٪ أو 40 ألف مواطن، وهي أعلى نسبة بطالة منذ تأسيس الدولة.
في المقابل يصل عدد العاملين الآسيويين في دولتنا ذات الستة ملايين نسمة إلى 88٪ والإخوة العرب والأجانب عددهم 10٪. وتقدر الشبكة الدولية للتحويلات المالية أن الإمارات هي ثالث أكبر مصدر في العالم للتحويلات المالية إلى الخارج، بسبب عدد الأجانب بها.
ولكن المسؤولية في تلك الأرقام المهولة لا تقع فقط على عاتق القطاع الخاص أو حتى المواطنين. وفي رأيي فإن بعض التشريعات الرسمية، ولو أدخلت بنوايا حسنة، إلا أنها تتسبب في تعطيل التحاق المواطنين بالقطاع الخاص.
والأجدى أن تقوم الحكومة بتشجيع المواطنين الشباب على الالتحاق بالقطاع الخاص الضخم، أو أن يسلكوا طريق الريادة في الأعمال بأن يقوموا بتأسيس مشروعات صغيرة تفيد البلد، بالتعاون مع صندوق خليفة في أبوظبي أو مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشروعات الشباب في دبي.
فالتحدي لجذب الشباب بعيداً عن القطاع الحكومي كبير جداً، بسبب ساعات العمل الأقصر والإجازات الكثيرة والطمأنينة التي ترتبط بصعوبة إنهاء الخدمة للموظف الحكومي من قبل مديره، بالمقارنة مع مديري القطاع الخاص. وأخيراً قامت وزارة العمل بالأخذ بتوصيات «تنمية» في قرار يحظر الاستغناء عن خدمات المواطنين وكأنه ليس هناك قانون قبله يحمي المواطنين من الفصل التعسفي، وهي توصية تؤدي إلى امتناع القطاع الخاص من توظيف المواطنين.
والحل الأمثل هو أن تستثمر الحكومة في التعليم المهني والعملي على حسب متطلبات السوق، وإزالة الفوارق الكثيرة التي يواجهها المواطن الشاب عند اختياره ما بين وظيفة في القطاع الخاص أو الحكومي. فمثلاً تستطيع الحكومة أن تدعم معاشات الشباب الذين يلتحقون بالقطاع الخاص لتشجيعهم على ذلك.
قال لي أحد أصدقائي العرب أخيراً، وهو يعمل في إحدى أكبر أربع شركات تدقيق، إن شركته تحاول توظيف 20 مواطناً في السنة، ولكنهم فشلوا في ذلك. المشكلة كما نقلها لي هي في ما تقدمه الحكومة المحلية والاتحادية من حوافز للمواطنين للالتحاق بالقطاع الحكومي. قال لي: صحيح أن المعاشات التي يقدمونها في الشركة منخفضة في البداية، ولكنها ترتفع كثيراً بعد فترة من الزمن على حسب الأداء في العمل، وتكون أفضل من معاشات الحكومة في المدى الطويل لمن لديه صبر وعزيمة.
حان الوقت لنشجع الشباب على الالتحاق بالقطاع الخاص بدعم معاشاتهم، أو تشجيعهم على أخذ طريق الريادة في الأعمال. فزيادة المعاشات في القطاع الحكومي، مثلما حدث أخيراً، تجذب الشباب إلى ذلك القطاع وتعفي القطاع الخاص من مسؤوليته تجاه توظيف الشاب والشابة الإماراتيين.
زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية