«إتيكيت» الغابة!

لم يخلُق ليَ اللهُ ساقين اثنتينْ، لأظل أقدّمُ رِجلاً وأؤخّرُ أخرى!!

بل لأركضَ بكلتيهما، المبتهجتينِ، إليكِ.

....

مثل ذئبٍ صغيرٍ يتهجأ أول الركض، أو فتى يشم رائحة أول امرأةٍ، أو نجم يرقص ابتهاجاً بأن يضاء لأول ليلة!

هكذا صرتِ أنتِ «التوقيت المحلّي» لي، أضبط نومي على مقدار أرقك، أتناول طعامي وفق النصائح التي قرأتها أنتِ في إحدى المجلات، أغسل ملابسي بالمسحوق الذي تقترحينه، وأستخدم في مطبخي «زيت القلي» الذي يلبّي رغبتك بحذف «الكوليسترول» من قائمة أمراضي!

صرتُ أحبُ الموسيقى التي تربيتُ في بيتٍ يعتبرها ضجيجاً غير مفهوم، وتحت وصايتكِ الصارمة مددتُ قدمي في البحر أول مرة، ولأجلكِ فقط صرتُ أثني أكمام القميص!

قدمتُ تضحيةً بالغةً حين جلستُ معك لثلاث ساعات متواصلة في مقهى يحظر التدخين، وأقمتُ في فكرة التعلّق، وفي بناياتٍ شاهقةٍ من الوهم اللذيذ، وفي رسم حكايات العاشق الخيبان تحت شبّاك الأميرة التي يحرسها خدمٌ وموظفون وطاقم من رجال «السيكيورتي» المدجّجين بالأمر بالمعروف والنهي عن العلاقات العاطفية!!

وأحببتُ تذوّق العلاقة سنتيمتراً فسنتيمتراً، والتلذّذ بطعم، نصف النهار، ونصف التفاحةِ، ونصف الضحكةِ، وأخلصتُ لحماقاتٍ كثيرةٍ مثل أن آكل طبق السلطة بكامل الهدوء والتروّي قبل أن نتناول الغداء!

كنتُ ذئباً صغيراً لا تستثيره دماء الغزالات، ويخططُ لغابةٍ مكتظةٍ بحبال الزينة، ومُلطّف الجو، ومفروشة بخشب الباركيه اللامع، .. غابةٍ شديدة الوضوح حتى إن في الخلفية شاشةً ضخمةً تبثُ مسجات «الوارد» في هاتفي المحمول!

لكن الشرطيّ الساكن فينا ظلّ يُطلّ برأسه كلّما اشتمّ رائحة التفاح، فيعيد مؤشّر البث الى قناة «الجزيرة»، لنسمع عن وفاة سبعين عراقياً في ليلة العيد، وحين تنتظم أنفاسنا، بما يليق بولدٍ وبنتٍ عاقلين، يعود لينام في خزانته، واثقاً أن نشرة الأخبار كفيلةٌ بلجم أي اندفاع، وتثبيط أي عاطفةٍ لا يحبها الشرطيّ!

... هكذا كنا، مثل قطّين مرسومين على لوحةٍ في معرضٍ في مدينةٍ يتساقط فيها الثلج؛ لا باب لنغادر اللوحة ومن فرط البرودة لا ننام!

ربما أحببتك أقلّ مما يجب، .. هذا سببٌ مقنعٌ جداً لأن تتركيني في منتصف الغابة في منتصف الليل ومنتصف العمر ومنتصف الطائرة، وربما كان رجال «السيكيورتي» حول قصرك أشدّ رهبةً مما يجب، وربما لأنك لم تحبي أغنيات فيروز ومقالاتي عن «فتح» و«حماس»!

وربما لأنني رجلٌ نحيلٌ لا أستطيع حملك على ذراعي من المطبخ الى غرفة الجلوس!!



لا يُهمّ كثيراً أن نتداول الأسباب؛ .. كنتُ ذئباً جاهلاً بـ«إتيكيت» الصيد، أو رجلاً متعباً مهووساً بالحنان، وأنتِ لا تحبين الرجال المرهقين الذين يحدّقون في السماء، صافنين ببلاهةٍ تثير أعصابك!!

لا يُهمّ كثيراً من الذي أحرق الغابة، المهم أنني لم أعد آكل السلطة الساذجة قبل الغداء، واستعدت علاقتي الحميمة مع «الكوليسترول»!

وصرتُ ذئباً ناضجاً يعرف أن الغابة ليست المكان المناسب لأن نطلب نجدةً من أحد!

.. ..

لم يخلُق ليَ اللهُ ساقين اثنتينْ، لأظل أقدّمُ رِجلاً وأؤخّرُ أخرى!!

بل، لأعود بهما عليلتين، مكسورتي الخاطرِ، راحلاً عنكِ.

 

nowaar@hotmail.com

الأكثر مشاركة