المسؤولية..

حمدان الشاعر

المسؤولية قيمة عظيمة تتجلى في إحساس المرء بواجباته ثم بعمله وفقاً لهذه المقتضيات، فهي ليست هيّنة أو يسيرة يسهل التغاضي عنها أو صعبة يتعذر القيام بها، إنما هي تكليف قائم للإنسان ما دام مستشعراً أهميته ووجوده. ولذلك يحرص الآباء على تنشئة أبنائهم على تحمل المسؤولية بجوانبها المختلفة، فالطفل يكبر وهو يتحمل المسؤولية شيئاً فشيئاً، حتى يغدو رجلاً تناط به مسؤوليات جسام يعزز بها قيمته فرداً صالحاً في مجتمعه مفيداً لوطنه، فكما في الحديث الشريف: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». فالكل مسؤول عمن يرعاه، صغرت رعيته أم كبرت، مسؤولية يحاسب عليها ويُساءل عنها، فهي ليست خياراً بل إلزاماً لا محيد عنه.

ما يستفزك أحياناً أن ترى استهتاراً بقيم المجتمع ومُثله عبر سلوك مرفوض ينم عن انعدام الإحساس بالمسؤولية وإغفال لتبعات ما ينجم عن التخلي عنها، فما حدث خلال الاحتفال باليوم الوطني من استهتار بقواعد المرور وسلوكيات الطريق أمر مرفوض ومؤشر صارخ عن اللامسؤولية التي تعكس صورة سلبية لبعض من شباب الوطن، لشباب يعرف ماذا يعني الوطن وكيف يكون الاحتفاء الحقيقي به، بعيداً عن بهرجة فارغة وصراع على الطريق. المسؤولية الحقة تقتضي مسيرة نحو البناء والتقدم واحترام الآخرين، لا مسيرة تنتهي بهم في «شبك» الشرطة، فماذا أعطى المخالفون لوطنهم حتى يكون الاحتفال بهذه الصورة المسيئة في حفلة إزعاج قاسمها المفقود في كل الحالات «المسؤولية» التي لا تعترف بأنصاف الحلول.

المسؤولية الأخرى تقتضي التزاماً أخلاقياً تجاه بيئة الوطن وتراثنا الطبيعي الذي ورثناه عن أسلافنا، ونخشى أن لا نصونه حتى ننقله إلى أولادنا فنكون قد فرطنا فيه كما فرطنا في كثير قبله، ففي هذه الأجواء الماطرة والأماسي الجميلة يسوءك أن ترى «البر» وقد ارتدى حلة من النفايات وبقايا الطعام ومخلفات الحرق، في صورة مشوهة لجمال الطبيعة تجعلك مسكوناً بقلق دائم لهذه اللامسؤولية التي تخلو من الاحترام وأدب التعامل مع المكان.

أما المسؤولية الأهم فهي واجب الآباء تجاه أبنائهم، فأطفال اليوم أو أطفال الخدم ليسوا ضحايا عنف جسدي فحسب، بل هم ضحايا ظلم وإهمال مستمر يتراكم عبر السنين، إن لم يتم تداركه، مخافة أن يفرز لنا جيلاً ممسوخاً بعيداً عن هويته وذاته، فكيف يُقبل غياب الأب عن حياة أطفاله، أو نوم الأم وصغيرتها تستعد للمدرسة، تاركة مصيرها لخادمة أو سائق. فهو أمر صعب قبوله أو تفسيره إلا بإهمال مجحف في حق الصغار، وتقاعس عن مسؤولية عظيمة وأمانة يتم التفريط فيها صباح مساء.

كلها دلالات لا مسؤولة لنتاج كان للأسرة النصيب الأوفر فيه، فالإهمال وعدم تعلم المسؤولية والاحترام والحب الحقيقي شواهد لإفرازات المؤسسة الاجتماعية الأهم وهي الأسرة، فإما أن تكون منبعاً لغرس صغير ينمو في أرض خصبة من الحب والمسؤولية أو صحراء قاحلة من الإهمال والدلال اللذين يوصلان إلى استهتار ولا مسؤولية.

hkshaer@dm.gov.ae

 

تويتر