كلامنا هويتنا

حمدان الشاعر

في برنامج تلفزيوني وقف شاب جامعي متحدثاً بثقة عن مشروعه التجاري بلغة غريبة، فهو يتحدث بالمحلية مع بضع كلمات بالفصحى المطعمة بألفاظ أجنبية، ثم أخذ هذا الشاب يعتذر مرة تلو الأخرى لجهله بالمرادف العربي للفظ الأجنبي المقصود.

في الحقيقة أشفقت على هذا الشاب لعدم قدرته على التعبير عن مشروعه بلغة مباشرة مفهومة، ولكن اتضح لي أن هذه ليست حالة فردية، بل هي مشكلة يعانيها الكثير من أبناء هذا الجيل .

غادر زمن التعبير الإنشائي الذي تألق فيه أصحاب مواهب الكتابة والقلم، فقد باتت مناهج اللغة العربية تجافي التعبير وكأنه المعيق الأهم في عملية التعليم وتطورها.

هذا التعبير الذي كانت تفرد له حصة دراسية أسبوعية تحول اليوم إلى مجرد استعراض ومعلومات سريعة تُستعرض على عجل، حتى عندما أرادوا تطوير مهارات الطالب وتطويعها لخدمته في مجال العرض والتقديم، تطرقوا لناحية متصحرة، لأن العرض والتقديم يحتاجان أولاً وأخيراً إلى قدرة خطابية، وكتابة مفكرة، وعقلية متحدثة، تبحث عن وسائل لإقناع الآخرين.

في أحايين كثيرة يكون التعبير هوية الشخص، ووسيلته نحو إبراز رأيه للآخر من خلال أفكار تترجمها كلمات معبرة وألفاظ دقيقة، فكلام الشخص وما يستخدمه من مفردات هي مخزونه الفكري، وهي في ذاتها حالة إبداعية تختلف من شخص لآخر، ويتمايز فيها الناس بعضهم عن بعض.

في القديم اشتهر العرب بالفصاحة، ورصين القول من بلاغة وحسن توصيف وتعبير، ولذلك دأب الأساتذة الأوائل على إعداد مناهج اللغة التي تُعنى بتعريف الطالب بمفردات الأدب الجاهلي والعصور الإسلامية المختلفة حتى العصر الحديث، مع ما في هذه المراحل من تطور وتنوّع حافظ على اللغة وأبرز عمقها وتميزها وجماليتها، على الرغم من أن القرآن الكريم كان دائماً الحافظ الأمين لهذه اللغة. واليوم تُقترف جريمة تسطيح اللغة وذبحها بدم بارد، عندما يُقلل من شأن فنون الكلام كالتعبير والشعر والقصة والمقالة، فاللغة كائن حي كلما غذّيته ومنحته اهتمامك، كانت فرصته في النجاح والانتشار أكبر وأوسع.

الأجيال التي أفرزتها المناهج الحالية لديها قصور كبير في القدرة على التعبير بلغة مقبولة على أقل تقدير، فمخرجات التعليم اليوم تُفرز شباباً وشابات لا يعرفون كيف يصيغون رسالة بلغتهم الأم، وتكتظ كلماتهم بأخطاء إملائية شنيعة وتختلط جملهم بألفاظ أجنبية غريبة.

مع سبق الإصرار تحولت لغتنا إلى مجرد إطار فضفاض أسهمت في تسطيحه مناهج غريبة على مجتمعنا وإعلام دخيل على بيئتنا.. توجيهاً نحو كل ما من شأنه ابتعاد الفرد عن لغته وهويته، والمحصلة أننا لم نُعلّم طلابنا اللغة العربية بعمقها، ولم نعطهم حتى اللغة الإنجليزية بأدبها ودلالاتها، فاللغة الإنجليزية اليوم هي مجرد لغة حوار يومي ومفردات حياتية تخلو من الذائقة، أدت إلى وأد قدرة الطالب على استيعاب إمكانات اللغة وعمقها، وهكذا وصلنا إلى مخرجات هزيلة.. ضائعة.. تائهة بين لغتين لا يُعرف منهما سوى القشور.

الصمت عن هذا التهميش لروح اللغة جريمة لابد أن تكون لها وقفة اليوم.. وليس غداً.

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر