«ستار صغار»

حمدان الشاعر

لأن الغناء أصبح ضرورة حياتية لا مجال للاستغناء عنه، ونظراً لما يشكله من عنصر أساسي في ترسيخ قيمنا ومبادئنا فإن الأمر يستدعي ضرورة الاحتفاء به والترويج له عبر استقطاب المواهب والمبدعين في الغناء من مشارق وطننا العربي إلى مغاربه. ولذلك فإن قنواتنا الفضائية المؤمنة برسالتها الخالدة نحو تنشئة أجيال من المبدعين في الطرب والغناء قد أخذت على عاتقها الدفع بأكبر عدد من المسابقات الغنائية في ظاهرة تنافسية قلما تجدها عند غيرنا من الأمم .هذا هو المنطق الذي يفرض نفسه وإلا لما شاهدنا هذا التزاحم في الكم والنوع مما يبث على شاشاتنا. لاشك أن ثمة خللاً كبيراً في منظومة إعلامنا وأساليبه البالية الهادفة إلى تشويه كثير من ثوابتنا وإلى تقويض كل عمل بنّاء يتم غرسه.

الحقيقة أن جل هذه البهرجة يهدف في الأساس إلى الربحية بأية وسيلة كانت، تتعدّد المخرجات والأساليب، والغاية واحدة وهي جني أكبر قدر من الإعلان والأموال، والمثير في الأمر أن كثيراً من هذه القنوات حكومية، أي أنها ليست ملزمة بأن تتغلب النفعية المادية على رسالتها التي وجدت لأجلها في الأصل.

والمفزع في الأمر كذلك أن يصل المستوى إلى التغرير بالأطفال الصغار في مسابقة غنائية تدعى «ستار صغار» التي تبث على إحدى قنواتنا الحكومية، وكأنها بذلك تسوّق نحو جيل من الصغار هوايته الغناء وحلمه أن يكبر حتى يصبح مطرباً وينال الشهرة والثراء، وهكذا وبكل بساطة يتم غرس قيم تافهة في عقلية الطفل ومخيلته حتى يكبر بلا هدف أو غاية.

والذنب هنا لا يتحمله الطفل المغلوب على أمره بل الوالدان الّلذان حمّلا الطفل أكبر من طاقته وجعلا منه أداة لجني المال والتباهي بصوته الجميل.

لسنا في حاجة إلى أجمل الأصوات، بل نحن في حاجة إلى أجمل العقول وإذا كنا نبحث عن الريادة وتشجيع الإبداع والابتكار فلابد أن يوجه الإعلام نحو مزيد من العمق والمعنى في رسالته، فالإعلام ليس جزيرة معزولة عن محيطه، إنه يؤثر ويتأثر، وعليه كان من الأهمية بمكان أن يكون التأثير صادقاً وعميقاً وبعيداً عن إسفاف يحطم الآمال في وجود جيل قادر على تحمل مسؤولية أمته.

إن من يدير هذه الأفكار عليه أن يسأل نفسه: أية رسالة تحملها هذه الأفكار وكيف أنه سيبوء بوزر جيل تحول من جيل ذكي متعلم إلى جيل لا يفكر إلا في المادة بأي شكل وبأسرع ما يمكن.

هذا حديث يتكرر منذ أكثر من 30 عاماً.. فإلى متى؟

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر