تحريض

حمدان الشاعر

في أحد المواقع الإلكترونية الإخبارية تجد عبارة تقول «شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات، أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم»، وتفاجأ حين تقرأ الردود بأنها تضج بكل ما يخالف هذا الشرط، فتجد ردحاً بغيضاً وسجالاً غير ذي جدوى بين مؤيد ومعارض، كل يدلي بدلوه سلباً أو إيجاباً، وفي أحيان كثيرة تجد الردود ابتعدت كثيراً عن المقال نفسه واتخذت محوراً لنقاش سفسطائي يحمل في طياته إساءة للأشخاص وتحريضاً طائفياً وشتماً مبطناً وعنصرية فجة.

لماذا تلجأ مواقع إخبارية كثيرة إلى ترويج الإثارة وجعلها ركناً أساسياً في تعاطيها مع الخبر عبر نصب فخ للآخرين للانجرار إليه والوقوع فيه، فهي تنشر رداً مستفزاً ثم تشجع الآخرين على الرد عليه، وهكذا دواليك، تجد سلسلة متوالية من الردود التي تحمل في طياتها خلافاتنا الأزلية ومشكلاتنا القديمة، كأن العرب لا يكفيهم فرقة وتناحراً حتى يأتي إعلام مشوه يتنصل من أية قيم أو أخلاق، مستدرجاً الكثيرين إلى تراشق مقيت يتحول إلى تشهير وقذف للأفراد والدول والمذاهب.

الميثاق الأخلاقي للصحافة أياً كانت طريقة نشرها له ضوابطه وشروطه، وما يحدث في المواقع يقول إن ساحة الشبكة العنكبوتية تحولت إلى مرتع للخطأ والإهانة وتحولت إلى ساحة وغى وعراك لا ينتهي يُستباح فيه كل محظور.

قد يكون للأمر وضعه المبرر لحرية المساحات وسقف الحرية المرتفع في العالم الافتراضي، ولكنه يجب ألا يكون ذريعة لإعلام فاسد يستهدف بث الفرقة والخلاف وتأجيج فتن لا حصر لها، وللأسف فإنها بذلك تكشف ضحالة في الفكر والرؤية وتكون سبباً لغرس مزيد من التباغض والأحقاد.

صحيح أن هذا التراشق تروج له مواقع عديدة ولكن الأفراد بمقدورهم الترفع عن النقاط الخلافية، فليس يعوزهم وازع أخلاقي أو ديني أو حتى عروبي يرفض الشقاق والمزيد من أشكال الفرقة.

يُلام الموقع على نشره مثل هذه الإساءات، ويُلام القارئ أيضاً لأنه فرّط في صبره ولم يتمكن من الارتكاز إلى أرضية تقبل الاختلاف، ولكن الاختلاف الذي يحترم فكر الآخر دون تجريح.

لا يكفي أن يضع الموقع إعلانه المنوّه بضرورة عدم الإساءة للآخرين، بل لابد أن يعزّز الاحترام ويدعو إليه، ويكون نهجه بنّاء في التعاطي مع أي خبر أو موضوع دون تسفيه أو إهانة أو شتيمة.

كل ما تحتاج إليه هذه المواقع هو المصداقية والمسؤولية فقط.

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر