تل أبيب في تورنتو

لم تجد المدينة الكندية تورنتو مدينةً تحتفل بها، سوى تل أبيب، لمناسبة بلوغها المائة عام من عمرها!

وتورنتو بهذا التوكيد، تعترف ضمنا بأن مدينة تل أبيب أقدم من عمر الكيان الصهيوني نفسه، ولكن تورنتو ربما لا تعرف كيف، أو لماذا؟ أما نحن، فنعرف أن تل أبيب بلدة عربية فلسطينية اسمها تل الربيع، وتعني في العبرية «تل أفيف»، أي أن عاصمة الكيان الصهيوني التي دعيت ضيف شرف للاحتفال بها ليست سوى مدينة قامت على أنقاض بلدة فلسطينية عربية. ولا نعرف إن كانت تورنتو سوف تصاب بالصدمة جراء هذا الأمر، أم سوف تبالغ في الاحتفاء بتل أبيب الطارئة.

المهم أن عددا من المخرجين العرب والفنانين رفضوا المشاركة في مهرجان تورنتو الدولي لهذا السبب، لكن قلة من الفنانين العرب قرروا المشاركة، ومن يهمنا من بينهم مخرج فلسطيني وآخر جزائري، لاعتبارات خاصة.

وحجة المؤيدين للمشاركة هي في إسماع صوتنا العربي في المحافل الدولية! وكأن هذه المحافل لا تعرف القصة من ألفها إلى يائها، فكيف، إذن، تدعو ممثلة شهيرة مثل جين فوندا، ومعها خمسون فنانا عالميا لمقاطعة هذا المهرجان، احتجاجا على مجازر العدو، بينما يصر بعضنا على أن العالم لا يعرف ما يحدث؟ سوف يطلع علينا اللبراليون العرب الجدد، كعادتهم، شاهرين السيوف فوق رؤوسنا، بسبب المقاطعة التي أصبحت في قاموسهم السبب الرئيس في ضياع قضيتنا، وغيابها من المحافل الدولية، ولنتصور معا أن خبراء السياسة الدولية، خريجي المعاهد الدبلوماسية، وأصحاب الشهادات العليا في الجيوبوليتيك والاقتصاد والأزمات الدولية والتاريخ، لا يعرفون كيف نشأ الكيان الصهيوني مثلا! ولكنهم جميعا يعرفون شيئا يسمى معاداة السامية، ويعرفون القوانين الغربية التي تحاكم أعداء السامية، أو المشككين في المحرقة التي يسمونها الهولوكوست.

هذا كله يعرفه الغرب، لكنه لا يعرف أن مجموعة من المهاجرين اليهود، وبدعم غربي مطلق، أنشأوا دولة عنصرية على تراب أرض عربية تدعى فلسطين، ولاتزال تدعى كذلك في الوثائق البريطانية والفرنسية قبل قيام هذا الكيان.

ما يهمنا في هذا السياق، أن المشاركة في مهرجان تورنتو الذي يحتفل بمرور مائة عام على بناء تل أبيب، هو بمثابة الاعتراف العربي المعلن والصارخ، بصهيونية المدينة من جهة، وبشرعيتها من جهة ثانية، وهي الشرعية التي تعطي الكيان كله شرعية لا غبار عليها.

والسؤال هو: هل ثمة ضرورة حقيقية للمشاركة في مثل هذه المهرجانات واللقاءات؟ أو، هل ثمة فائدة عملية حقا جراء هذه المشاركة؟ أم أن المقصود إبراز وجه عربي متسامح، حتى لو كان هذا التسامح يؤدي إلى طمس الحقائق التاريخية، والتغاضي عن الحقوق الثابتة لشعب كامل؟

من المخجل أن ترفع واحدة مثل جين فوندا صوتها ضد تورنتو، بسبب دعوتها تل أبيب للاحتفاء بها، بينما ينبري لنا بعض المثقفين العرب ساخرين من دعواتنا إلى المقاطعة وعدم التعامل مع هذه المهرجانات واللقاءات التي تمنح الاحتلال شرعية إضافية، فوق شرعية الأمم المتحدة. ولكن، لنتذكر جميعا أن جين فوندا هي التي انتصرت أخيرا في تظاهراتها ضد الغزو الأميركي لفيتنام! . هل تذكرون؟

 

الأكثر مشاركة