مقال لـ .. سطان سعود القاسمي

سلطان سعود القاسمي

الدكتور الياس الزرهوني كان شاباً يافعاً في جزائِر السبعينات من القرن الماضي، هاجر إلى الولايات المتحدة، حيث التحق بمستشفى جونز هوبكنز، فعمل متدرباً حتى أصبح كبير المستشارين في الجامعة العريقة التابعة للمستشفى. في الأسبوع الماضي جلست أستمع إلى محاضرته المعنونة «ثورة العلوم الطبية الحيوية.. أهم الإنجازات في مجال الأبحاث» في المجلس الرمضاني لسمو الشيخ محمد بن زايد. كان مجلساً محاطاً بصور مؤسس الوطن، الشيخ زايد - طيب الله ثراه - به ست شاشات تلفاز كبيرة تبث المحاضرة عن قرب للجالسين. كانت قصة ذلك العالِم لا تختلف عن الكثير من القصص الأخرى لعرب هاجروا من بلدانهم للبحث عن عمل وحياة أفضل، لأنهم لم يجدوا من يؤويهم ويرحب بهم، إلى الآن. فمجلس سمو الشيخ محمد بن زايد هو مجلس للعلم والثقافة، فيه يجتمع مثقفون وعلماء من شتى أنحاء العالم العربي وخارجه، للحديث عن أحدث ما توصل إليه العلم، وكيف يمكن تطبيقه في الإمارات. جلست بين الحضور استمتع ليس فقط بالمحاضرة، ولكن أيضاً بالطاقة البشرية الإيجابية في المكان. فكان الحضور ينصتون للعالِم، وكان من بينهم شيوخ ووزراء وكبار الشخصيات، ولكن في رأيي أهم عنصر كان موجوداً هو عدد من الطالبات والطلبة الإماراتيين الذين سيشكلون مستقبل وطننا الغالي.

شاهدت مواقف كثيرة أثارات إعجابي، منها مثلاً دخول أحد الشخصيات الكبيرة عند بدء المحاضرة، حيث جلس بين الحضور بالقرب من الباب، مع إنه كان بإمكانه الجلوس في قسم كبار الشخصيات، فزاد احترامي له كثيراً. وكان في المجلس شباب إماراتيون يعملون مع أخواتهم الإماراتيات، جنباً إلى جنب لتأمين احتياجات الحضور كجلب سماعات الترجمة الفورية. وكان الشيخ جالساً من بين ضيوفه، وكرسيه يشبه كراسيهم، فلم يكن جالساً أعلى أو متقدماً عن الآخرين، ولا حتى كان كرسيه بِلَون مختلف، فَعَكس التواضع الذي عرفناه عنه وعن عائلته الكريمة.

تحدث الدكتور الزرهوني عن التطورات الطبية التي كانت له يد في اكتشافها أو اختراعها، فعرض علينا تسجيلاً تلفزيونياً عن رجل يبلغ من العمر 50 عاماً لم يستطع السير على قدميه بسبب مرض «الباركنسونز» الخطير، وبعدها عرض علينا تسجيلاً آخر للرجل بعد تعافيه من المرض، بسبب قرص مبرمج قُطره أقل من سنتيمتر واحد، تم تركيبه في دماغ الرجل فبات يمشي ويلعب مع أبنائه، ما رسم الابتسامة على وجه الشيخ محمد، فأدركت كل ما أود معرفته عن هذا الرجل الحكيم، فللعلم وللإنسانية مكانة واسعة في نفسه. سرحت في تلك الحظة بتفكيري إلى ما يسمى بعصور الإسلام الذهبية، حيث كانت للعالِم مكانة عالية في المجتمع ولدى أسياد القوم، ولم يكن مهجراً من بلده، وخلال تفكيري في ذلك ذكر الدكتور الزرهوني أن أقدم كتاب في المكتبة الوطنية الطبية في الولايات المتحده هو كتاب «الحاوي في الطب» للعالِم المسلم الشهير أبوبكر محمد الرازي الذي كُتب في عام 1094 ميلادي، أي في منتصف العصر الذهبي للإسلام.

وكان لكلمات الدكتور الزرهوني الأخيرة صدىً كبير في بالي، حين قال «الطب علمٌ متكامل ينبغي على المرء تعلم مجَالات أخرى في الحياة لإتقانه»، فتبين لي أن ذلك هو سبب دعوة الشيخ محمد للعُلماء. فالقيادة فنٌ متكامل ينبغي على المرء تعلم مجالات أخرى في الحياة لإتقانها.

زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية

تويتر