حمير وأوادم

حمدان الشاعر

يبدو التصريح الذي أدلى به الرئيس الليبي معمر القذافي صادماً إلى حدٍ بعيد، فليس من السهل القول بأن الغرب يعاملنا كالحمير الخالية من المشاعر، ويعامل شعوبه كما ينبغي، كبشر متحضرين لهم مشاعر وأحاسيس يتحتم مراعاتها واحترامها.

نعم.. ينظر لنا الغرب على أننا أقل من أناسهم، وغير جديرين بالاحترام أو التعاطي الإنساني الصرف البعيد عن أية سوابق أو تبعات فكرية أو أفكار نمطية سائدة عنا.يعود المقرحي المدان بقضية لوكربي، فتستقبله ليبيا رسمياً وشعبياً، إيماناً منها ببراءته، وتعاطفاً مع حالته الصحية، فيثور الغرب بحجة أن هذا الاستقبال يؤذي مشاعر عائلات ضحايا لوكربي، ومن قبل عاد الطاقم الطبي البلغاري والمدان بقتل 400 طفل ليبي إلى بلغاريا فتتم تبرئته ويستقبل استقبال الأبطال دون مراعاة لمشاعر أسر الضحايا الليبيين.. هذه قمة التناقض، والكيل بمكيالين، وهذا دليل صارخ على هذا التضاد في التعاطي مع العرب على وجه الخصوص.الحقيقة أن هناك صفقة تم بمقتضاها إطلاق سراح رجل على مشارف الموت، في مقابل عقود تجارية تخدم مصالح بريطانيا بشكل مباشر، لا يرانا الغرب إلا بعين المصلحة والنفعية، وإلا ما سبب سكوت عتاولة الديمقراطية الغربية عن معاناة ضحايا كالفلسطينيين، وعن حصار كحصار غزة، وعن ممارسات مجرمي حرب كاليهود، فالقضية إن لم تكن مرتبطة بمصالح سياسية أو اقتصادية تخدم دولهم بصورة مباشرة، فلن تجد من يحركها، وكأن الضمير العالمي بحاجة إلى من يوقظه من سبات طغت فيه المصلحة على ما سواها.

تصريح الزعيم الليبي هو تعرية للواقع، وكشف حقيقة ما يدور في خلد الغرب عنا، والشواهد أكثر من أن تذكر، كما أن تأكيده أن هذا التطاول والاستخفاف بمشاعر الأمم الأخرى أفرز هذا الغبن وولد الإرهاب الذي يعانون منه الآن، فالإرهاب المضاد ليس سوى تعبير عن الرفض لهذا التعامل غير المتحضر، ومحاولة فرز الناس على أساس إثني أو عقدي، ثم معاملتهم وفقاً لذلك، علماً بأن أعمال الغرب قديماً وحديثاً شرقاً وجنوباً لم تخل من كثير من الإرهاب، وكثير من الظلم والتعالي على شعوب الأرض.

لا شك أنه المنطق السائد والمصلحة التي بلا قيم، فلعبة السياسة والاقتصاد قائمة فقط على الفائدة المبتغاة، وهو تطرف فكري لابد أن يحاسبهم عليه التاريخ، ولعل قضايا حقوق الإنسان العالقة في سجونهم ومحاكمهم والمتعلقة بالمواطن العربي، خير دليل على كم الاستهتار بالأرواح وبمصالح العرب والمسلمين. الدماء المسكوبة في فلسطين والعراق تقول نعم هم «أوادم».. أو ربما نكون نحن كالحمير التي لا تنهق ولا حتى ترفس عن غضب أو رفض، بل تنوء بحملها في صمت رهيب. أو ربما نكون بشراً من نوع أقل مرتبةً.. الأمر متروك لنا في أن نسايرهم أو أن نرفض مثل هذه العلاقة المتناقضة إلى أبعد حد.

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر