استراتيجية للغذاء

حمدان الشاعر

يقترب رمضان فتُسْتَنفَرْ الأجهزة المعنية بالغذاء توريداً وتسويقاً ورقابةً لمواكبة الشهر ومتطلباته، وتتأهب منافذ البيع لاستقبال زائريها بعروض مشوّقة تواكبها في ذلك وسائل الدعاية بصنوف من الترويج والإغراء.

لاشك أن ضمان توفير الغذاء بسعر معقول أمر مُلحّ لضمان الاستقرار الاجتماعي المطلوب في الشهر الفضيل، إلا أنه ينبغي ألا يُغفل أن شهر الصوم ـ على الأقل ـ يجب أن يكون آخر الأشهر التي يُفترض أن يكون فيها للطعام تلك الأهمية التي نوليها له، على الرغم من أن الأعراف والأنماط الاستهلاكية السائدة تظل هي المسيطرة في مجتمعات أصبحت تأكل مما لا تزرع وتستورد ما لا تستطيع إنتاجه. العالم اليوم وبمنظور كوكبي يُنظر فيه إلى كوكب الأرض كمصدر وحيد للموارد الحيوية، يتحدث عن الحاجة إلى مضاعفة الإنتاج الحالي من الغذاء في العالم بحلول عام ،2050 وذلك لتوفير الطعام للأعداد المتزايدة من البشر، مع العلم بأن الظروف تبدو غير مواتية لتحقيق ذلك، فالعالم يعاني من تغير مناخي ونقصٍ في موارد المياه وتغّير في أنماط استخدامات الأراضي، الأمر الذي يجعل التحدي في «مسألة الغذاء» أمراً مرهقاً ومؤرّقاً على الصعيد السياسي والعلمي والبحثي.

على الصعيد الوطني تبقى «مسألة الغذاء» أمراً بالغ الخطورة والأهمية فالأمن الغذائي عنصر لا يتجزأ من منظومة الأمن الوطني التي تستدعي حضوراً بارزاً على الأجندة الوطنية وتبنياً لسياسات محددة وأنظمة واضحة ضمن استراتيجية غذائية شاملة، فلا يجوز على الرغم من كل الإنجازات التي تحققت أن يظل مستقبل الغذاء غير واضح، وعلى الرغم من كل الاستراتيجيات التي وضعت أن يُغفل أمن الغذاء بأبعاده المختلفة، علماً بأن تأسيس خطة وطنية لاستراتيجية الغذاء أمرٌ أصبح يأخذ أبعاداً كبيرة في دول عديدة وأصبحت استراتيجيات الغذاء توضع حتى على مستوى المدن، شاملة في ذلك ضمان ديمومة زراعة المحصول وتوريده، وتسويقه وعرضه بأسعار معقولة، ثم رقابة جودته وسلامته، والتوعية بقضاياه المتشعّبة.

إذا كانت الأزمة المالية العالمية قد أعادت للدولة دورها المفقود وسمحت لها بأن تُبسط هيمنتها على قطاعات عديدة لتحقيق المنفعة العامة، فإن الغذاء كذلك يعد سلعة استراتيجية يجب أن يخطط للحفاظ عليها واستثمارها وحمايتها، فلا شيء يضمن استدامة الغذاء على المدى البعيد، فكل دولة ترى شعبها أحق بمحصوله، ومن الخطأ الرهان على المورّد في تحقيق الأمن المطلوب، ومن الخطأ أن تظل الدولة تناشد المورّدين توفير السلع وعدم رفع الأسعار في صورة أقرب إلى الاستجداء منها إلى دور السلطة التي ينبغي أن تكون هي الفيصل في تحقيق المصلحة العامة.

خطورة استمرار ما نحن عليه هو التفكير الموسمي الغالب الذي ينظر إلى الوضع الآني في حين أن المستقبل يُنذر بظروف غير مضمونة، والغذاء شريان الحياة الأول والأهم، والأدعى للتفكير وتغيير نمط التعامل معه.

 

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر