ذاكرة الإمارات

سلطان سعود القاسمي

في منتصف عقد الستينات من القرن الماضي كان الشيخ زايد ــ طيب الله ثراه ــ الذي أصبح آنذاك حاكماً لإمارة أبوظبي، قد عقد العزم على إنهاء الوجود البريطاني في إمارته، وفي إمارات الخليج المتصالحة، وقد أدرك الشيخ زايد أن أحد مفاتيح النجاح في التعامل مع الوجود الأجنبي هو جمع المستندات المهمة كالاتفاقات الثنائية بين الإمارات، واتفاقات ترسيم الحدود التي أقرها أجدادنا في الخليج، فأمر بإنشاء مركز الوثائق والبحوث في أبوظبي في عام ،1968 وقد زود هذا المركز الإماراتيين بوثائق مهمة تم استخدامها في التعامل مع البريطانيين قبيل انسحابهم.

ومع تركيز الشيخ زايد على تفعيل الشراكة الوطنية في الإمارات أكمل المركز مسيرته في توثيق تاريخ أبوظبي الحديث والمعاصر، حيث أصبحت أبوظبي مركزاً مهماً اقتصادياً وسياسياً تمثل في إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربي بها في العام ،1981 وإنشاء مجلس النقد العربي في العام .1976

عندما أصبح سمو الشيخ منصور بن زايد رئيساً للمركز في العام 1999 دخل المركز في مرحلته الثانية، حيث عين سمو الشيخ منصور الدكتور عبدالله الريس لإدارة المركز، وتشييد مبنى جديد ذي تقنية عالية، وكان من أكبر إنجازات هذه المرحلة إصدار المركز كتاب «قصر الحصن: تاريخ الأسرة الحاكمة في أبوظبي من العام 1793 إلى 1966» الذي يعد من أكثر الكتب شفافية لتاريخ أسر الخليج الحاكمة، وكان مصير هذا الكتاب لا يعلم حتى للباحثين في المركز بسبب توثيقه المفصل للأحداث السياسية والاجتماعية في أبوظبي ومنطقة الخليج، ولكن رئيس المركز أعطى موافقته على نشره.

اليوم يوثق هذا المركز الذي يستقبل طلبة المدارس على مدار السنة أربع حقب رئيسة في تاريخ أبوظبي والمنطقة، ابتداءً من الحقبة البرتغالية ومن ثم الهولندية، التي يذكر في وثائقها ذات الـ400 عام، جزر الإمارات المحتلة اليوم من قبل إيران (طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبوموسى)، والحقبة الثالثة التي امتدت من الوجود البريطاني حتى الاستقلال.

الحقبة الأخيرة هي إنشاء دولة الإمارات على يد الشيخ زايد ـ طيب الله ثراه ـ وإخوانه حكام الإمارات آنذاك، وفي العام الماضي تم توسيع نشاط المركز ليصبح مركزاً يوثق تاريخ الإمارات السبع، وتم تغيير اسمه إلى المركز الوطني للوثائق والبحوث. وأكبر دليل على نجاح هذا المركز المهم هو استقطابه وثائق ومخطوطات تاريخية من هواة جمع مخطوطات التاريخ الحديث داخل الإمارات وخارجها، الذين أهدوه بعض الوثائق، أمثال الشيخ فالح بن ناصر آل ثاني (من قطر) الذي أهدى المركز 200 كتاب للحفظ والتوثيق.

أهمية هذا المركز تتعدى الوصف، وأكبر دليل على أهمية الأرشيف هو عندما دخلت قوات صدام إلى الكويت في العام ،1990 توجهوا مباشرة إلى الأرشيف الوطني الكويتي الذي مازالت الكويت تطالب باسترجاعه، والذي تسميه «ذاكرة الوطن».

في آواخر هذا العام يرتقب افتتاح معرض دائم يوثق ذاكرة الإمارات في المركز الوطني للوثائق والبحوث في أبوظبي، والذي سيتيح الفرصة للزائرين للتعرف إلى تاريخ الدولة المشرق، تلك الدولة التي تحدت جميع العقبات التي واجهتها في طريقها لتصبح الاتحاد الوحيد الناجح في تاريخ العالم العربي المعاصر.



❊ زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية

تويتر