أزمة عطاء

حمدان الشاعر

التقارير التي تتحدث عن «الثروات المالية العالمية» تشي بمؤشرات عدة، فهي وإن كانت تكشف عن تراجع في أعداد مليونيرات الإمارات والعالم، فإنها تكشف كذلك عن تراجع متزامن في استثمارات الأثرياء وإنفاقهم على الكماليات والحياة المترفة، كما أنها تظهر تراجعاً حاداً في تبرعات الأثرياء واتجاههم نحو أعمال خيرية أقل.

بالرغم من أن الأزمة المالية العالمية قد أتت على كل أخضر ويابس، فإنها لا تعد مبرراً لتأتي حتى على فعل الخير والصدقات، فالتبرعات والأعمال الخيرية اليوم قد انحسرت بسبب الأزمة، وفي المقابل فإن أعداد الفقراء يزداد اطراداً نتيجة للأسباب نفسها. في شأننا نحن، هناك خشية من تزامن انحسار الخير لدينا أسوة بما يمارسه أثرياء العالم، فالثري الذي يتراجع عن بناء مشروع خيري أو كفالة أيتام أو مساعدة محتاج يقترف خطيئة كبرى عندما يتنصل من أداء واجب أو تأدية حق. فالتبرعات لم تكن يوماً مالاً فائضاً عن الحاجة يذهب للفقراء عند الرخاء، ويتقلص عنهم عند الشدة فيجزع المرء ويسرقه الخوف من فقر مفاجئ حتى إن كان رصيده البنكي يتجاوز الستة أصفار، ولعل هذا ما يؤكده تقرير «ثروات العالم» حين يشير إلى أنه مع انحسار التبرعات يزداد إنفاق الأثرياء على «الصحة والاستجمام ومراكز اللياقة البدنية، وإجراءات الطب الوقائي.. إلخ»، ولعله القطاع الوحيد الذي ازداد إنفاقاً عن غيره من القطاعات التي تراجع الإنفاق فيها عن ذي قبل.

الصعب في الأمر هو حال هذه الأسر المحتاجة والأيتام وطلاب العلم الذين ينتظرون الصدقات حتى تسير حياتهم بأدنى مظاهر الحياة، فقد ازداد طابور المنتظرين.. والمتوجسين.. والعاطلين، وانتهى بهم المطاف إلى العودة إلى حيث البداية عندما يطرقون أبواب أصحاب الفضل.

يبقى الخير فقط لدى أولئك الصادقين ممن يؤمن بأن الرزق مقسوم فلا خوف من إدبار الدنيا، ويؤمن بأن الصدقة لا تنقص المال بل تطهره وتزيده، كما في الحديث الشريف «ما ينقص مال من صدقة بل يزيد»، وهذا هو المطلوب من خلال السير عكس اتجاه الادخار بزيادة الصدقات وبالتالي نماء المال نماء حقيقياً بصورتيه المادية والمعنوية، بدلاً من الانكفاء على الذات والافتتان بالدنيا وزينتها الزائلة، فإن كانت الأموال قد مستها الخسارة جراء الأزمة المالية فهي فرصة لإعادة الحسابات والبحث عن أسباب هذه الخسارة وقراءة حقيقة الاستثمار الذي ذهب بالأموال للتبدد. ولن يأتي الانفراج إلا بمزيد من البذل والعطاء، فالأزمة التي مست طرف ثوب الغني هي ذاتها قد أحرقت الفقير وأتت على قوته وأودعته مزيداً من الحاجة والفاقة.

 

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر