ناشيونال جيوغرافيك باللهجة اللبنانية!

سلطان سعود القاسمي

ظننتها إحدى النكت أو طرائف الشباب التي تصلني عبر البلاك بيري. لكن الخبر كان عن قناة «ناشيونال جيوغرافيك» أبوظبي التي تبث على مدار الساعة باللهجة اللبنانية والبيروتية بالتحديد. أسرعت إلى المنزل لأشاهد التلفزيون، وكم تمنيت لو لم أفعل ذلك، فقد ذهلت بالحقيقة لأنها لم تكن طرفة أبداً، فالقناة الجديدة التي تحمل اسم عاصمتي ومدينتي الحبيبة والممولة من قبلها لتبث العلم والمعرفة إلى العالم العربي تفعل كل ذلك بلهجة محلية لبنانية.

مع كل احترامي للشعب اللبناني الشقيق الذي تربطنا به علاقات أخوية وأسرية وثقافية، إلا أنني لم أشاهد مطلقاً مسلسلاً لبنانياً، بلهجة إماراتية، وبتمويل حكومي لبناني.

فالأولى أن يتم بث هذه القناة باللغة العربية الفصحى، أو ليس مرادها نشر العلم فكيف لها أن تفعل ذلك في عالم عربي عدد سكانه 300 مليون نسمة وهي تبث بلهجة أربعة ملايين نسمة.

وإن قبلنا بمنطق اللهجات المختلفة واستخدامها على قنواتنا الفضائية، أو ليست لهجة الإمارات أو حتى لهجة أهل الخليج أولى من لهجة طرابلس الشرق أو الغرب، وإن وسعنا آفاق التفكير، فلماذا لا يتم البث فرضاً باللهجة المصرية التي ينطق بها نحو 80 مليون نسمة والتي تستعذبها الأغلبية المطلقة من العالم العربي بسبب تاريخ طويل من الفن والثقافة المصرية التي تلقاها الجمهور العربي عبر الأغاني والمسلسلات والأفلام المصرية. ولكنه منطق ضعيف وموقف محزن أن نستبدل اللغة الفصحى في نشر العلم بلهجة عامية.

هل يا ترى سيتم قراءة النشرة الإخبارية غداً باللهجة السودانية؟ وماذا عن برامج الأطفال هل يتم عرضها باللهجة التونسية؟ حال يرثى لها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقد يكون سبب استخدام اللهجة اللبنانية في بث هذه القناة عدم توظيفنا للكوادر المحلية الإماراتية والعربية المتمرسة في مجال الترجمة بين اللغات الإنجليزية والعربية والتي يتم تخريج دفات بالعشرات منها منذ سنوات من الجامعات المحلية.

الرجاء على القائمين بالأعمال والمسؤولين بالقناة الحرص على بث البرامج باللغة العربية الفصحى حصرياً منعاً للإحراج الاجتماعي والسياسي في المستقبل.

قد تم إنشاء هذه القناة بشراكة بين مؤسسة «إمج نيشن» المملوكة لمؤسسة إعلام أبوظبي بالاتفاق مع مؤسسة ناشيونال جيوغرافيك سوسايتي بمبلغ قدره 100 مليون دولار، وبما أن المؤسسة التي مقرها واشنطن ليست ربحية فهذا يعني أن النسبة الأكبر من المبلغ المذكور ممولة من الجانب الإماراتي، ولا مانع من ذلك طبعاً لأنها ذات هدف نبيل وشراكة مفيدة للعالم العربي ولمؤسسة أبوظبي للإعلام جزيل الشكر والعرفان، ولكن تمويلنا للقناة يعطينا أحقية فرض اللغة الرسمية لها.

ويُقال إن الشراكة ستثمر عن إنتاج 15 فيلماً وثائقياً جديداً عن الحياة الطبيعية، فهل يا ترى سيتم إنتاج وتصوير هذه الأفلام باللغة الفصحى أم باللهجة اللبنانية؟ وفي غياب صحيفة «الإمارات اليوم» في الأسابيع الماضية، فقد طرحت هذه القضية في الصحف المحلية على استحياء، فلماذا الخجل في مسألة مهمة كهذه من قبل السلطة الرابعة؟

مازال لدينا متسع من الوقت لإصلاح هذا الخطأ في حق لغتنا العربية الفصحى وإعادة دبلجة البرامج المستوردة إلى لغة صحيحة ومفهومة، وبهذه الطريقة تكون أهداف مؤسسة أبوظبي للإعلام النبيلة والمشرفة بنشر المعرفة والثقافة قد حققت بكامل معانيها. وأخيراً: «ما كان بدي أكتب هيك شي، بس هيك تعلمت» من قناة ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي.

 

زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية

تويتر