هل لديك حصانة.. أو شيء تخفيه؟

سلطان سعود القاسمي

يحمل أفراد الأسر الحاكمة الست في دولة الإمارات، وهم يُحصون بالآلاف، ويشكّل الشباب نسبة كبيرة منهم؛ جواز سفر دبلوماسياً أحمر اللون، عليه الشعار الوطني للدولة؛ وكذلك الأمر بالنسبة لأعضاء المجلس الوطني الاتحادي، ووزراء الحكومة، والسفراء والمبعوثين، ومستشاري الحكام، وشيوخ العشائر وعائلاتهم. ويتمتع حاملو هذا الجواز بعدد من الامتيازات التي لم يخلُ الأمر في بعض الحالات النادرة سابقاً من إساءة استخدامها بما يعود بالضرر على المجتمع الإماراتي.

ويستطيع حاملو جواز السفر الأحمر نظرياً إدخال أي شيء إلى الدولة من دون مساءلة تُذكر، بدءاً بالأسلحة الخفيفة والمواد الإباحية والمخدرات، وانتهاء بالحيوانات البرية التي قد تنشر الأمراض، الأمر الذي أسفر سابقاً عن تصنيف الإمارات لسنوات عدة، بين البلدان التي لا تلتزم بميثاق التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض.

وخلال سفري المتواصل من وإلى الدولة، يُطلب إلي مراراً فحص حقائبي عبر أجهزة المسح، فأسارع إلى ذلك بكل طيب خاطر، لأنني في جميع الأحوال لا أحمل ما أخفيه. ولدى عودتي من السفر العام الفائت، لاحظ مسؤول الحقائب جواز السفر الأحمر في جيب سترتي وطلب مني أن أبقيه بارزاً لأتمكن من اجتياز فحص الأمتعة بسهولة، ولكنني لم أحفل بكلامه. وعند وصولي إلى قسم الفحص، طلب ضابط الشرطة إلي تمرير حقائبي عبر جهاز الأشعة السينية، فبادر مسؤول الحقائب إلى إبلاغه بأنني أحمل جواز سفر دبلوماسياً أحمر، في محاولة منه ربما ليجنبني العبث بحقائبي مراراً وتكراراً. وكاد يحدث إشكال دبلوماسي صغير حين طلبت من مسؤول الحقائب ألا يأتي على ذكر الجواز مجدداً، ولكنه واصل ذلك من دون اكتراث. وأكد لي ضابط الشرطة عدم وجود أية مشكلة، وأنني لا أحتاج لتمرير حقائبي عبر جهاز الفحص، ولكني أصررت على موقفي ذاك. ويبدو أن مجرد رؤية الجواز الأحمر تجيز لحامله المرور بحُريّة عبر أي مطار كان في الدولة. وقد يلجأ أعضاء السلك الدبلوماسي إلى استغلال ذلك عن قصد أو من دون قصد، كأن يوصلوا طرداً من أحدهم إلى صديقٍ داخل الدولة.

لطالما اعترضت سابقاً على مثل هذه الممارسات لما قد تنطوي عليه من آثار سلبية تضر بأمن الدولة. وقد أفهم حق الدبلوماسيين في تجاوز التفتيش لدى دخولهم إلى أي بلد كان، وفقاً للمواثيق الدولية المتعارف عليها، ولكن ما لا أفهمه حقاً أن يتغاضى حراس المطار حتى عن مجرد التحقق من الجواز الدبلوماسي إن كان يعود لحامله أم لا، وهو ما يحدث فعلاً في أنحاء البلاد. وفي الحقيقة، هناك عدد لا يُحصى من الحوادث التي يسجل فيها فقدان أو استبدال جوازات السفر، فليس عسيراً تقليد الشكل واللون الخارجي للجواز مع الشعار الوطني. وتحظى بعض البلدان الغربية، في واقع الأمر، بجوازات سفر حمراء شديدة الشبه بجواز السفر لدينا، ما قد يسبّب لبساً بين الجوازين. لذا ينبغي على الأقل أن يطلب حراس الحدود من الدبلوماسيين تسليم جوازاتهم الحـُمر للتحقق من صحتها والتأكد من أنها تعود الى حامليها حقاً.

ولا ينطوي هذا الأمر على أي حرج لمراقبي الأمتعة أو الدبلوماسيين إن تم بطريقة لبقة، ولأصحاب تلك الجوازات حينها أن يمتنعوا عن تفتيش حقائبهم، رغم أنني أرى شخصياً أن للضباط الذين يشكّون في التصرفات المريبة لشخص ما الحق في تفتيش أمتعته عبر الماسح، ما لم يكن من الدبلوماسيين الناشطين لدولة الإمارات، وأقصد بذلك أبناء هؤلاء الدبلوماسيين وبناتهم الذين يسافرون بمفردهم أو مع أصدقاء لهم، على سبيل المثال. وهناك مثال محلي مشؤوم عن دبلوماسي غير ناشط كان شريك أعماله الآسيوي يدير مصنعاً غير شرعي للعقاقير، واسمه مدرج حالياً على لائحة المطلوبين في الموقع الإلكتروني لشرطة دبي. ولم يتم تسريب هذه الحادثة إلى وسائل الإعلام، ويقال إن الدبلوماسي المحلي استخدم جواز سفره الأحمر لتجنب التفتيش عند دخوله البلاد وبحوزته الأقراص المهربة.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «ذا ناشيونال» أخيراً، ازدادت كميات المخدرات التي صادرتها شرطة دبي بين شهري يناير ومايو من العام الجاري بنسبة 41٪ على الكمية المصادرة في الفترة ذاتها من العام المنصرم. ولاشك في أن شبكة الخطوط الجوية الواسعة لدولة الإمارات وطبيعتها المتسامحة، أسهمتا في جعلها نقطة عبور لمهربين. لذا تجب مكافحة هذا النوع من الجرائم وحماية أطفالنا ومستقبلهم من خلال ردم الثغرات كافة، ومنها إبراز الجواز الأحمر لتجنب التفتيش الذي يعد أمراً خطيراً رغم بساطته.

يجب أن يتوقف التهاون مع أشخاص بعينهم وعدم السماح لهم بتجاوز فحص الأمتعة من دون رقيب، وفرض المزيد من إجراءات التدقيق بحقهم. ولا أعتقد أن نظرائي الدبلوماسيين يمانعون تفتيش حقائبهم عبر أجهزة الفحص، وينطبق الأمر ذاته عليّ شخصياً وعلى بقية الدبلوماسيين غير الناشطين، ما لم يكن لديهم ما يخفونه. والسؤال هنا: هل لديكم ما تخفونه؟

 

* زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية

تويتر