التعاطي مع بلد يجافي نفسه
منذ انطلاقها في عام ،1979 بذلت الثورة الإسلامية في إيران جهدها للحفاظ على نوع من التوازن في سياساتها. ومع ذلك، بقيت تجسّد مثالاً كلاسيكياً حياً عن بلد لم يستطع التصالح مع نفسه، ما يجعلها تشكّل تحدياً كبيراً لدول الخليج الساعية إلى إيجاد الطريقة المثلى للتعامل مع جارتها الشمالية. فعلى سبيل المثال، وفي الوقت الذي عبرت فيه الحكومة الإيرانية عن سرورها بالاعتذار التاريخي الذي قدمته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت عن الدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات المركزية في الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق في عام ،1953 نجد أن النظام الإسلامي لم يبادر إلى تكريم هذا الأخير، لا بل تجاهله تماماً.
من مصلحتنا في دول الخليج العربي أن يتم سلمياً الانتقال الجاري في إيران من نظام ديني فردي إلى نظام ديني متعدد شبه ديمقراطي. فجميعنا يجهل مدى تطور البرنامج النووي الإيراني الذي يشكل التهديد الأبرز للدول الخليجية على الصعيد الأمني والبيئي والاقتصادي. كما أن إيران ليست بلداً صغيراً يمكن ضبط الشارع فيها من خلال السيطرة على وسائل الإعلام والمعلومات وفرض الحكم الديني. وتكمن المشكلة في أن رجال الدين الحاكمين في إيران يبدون مرتاحين لوضعهم داخل البلاد إلى درجة باتوا معها يتدخلون في شؤون البلدان العربية عبر تمويل حكومات خارج إطار الدولة، متجاهلين برميل البارود في بلدهم المتمثل بالشباب المحروم من حقوقه.
وفي واقع الأمر؛ فإن المواطنين الخليجيين مثل نظرائهم الإيرانيين، سواء كانوا يدعمون أحمدي نجاد أو مير حسين موسوي أو لا يدينون بالولاء لأي منهما، لا يجدون تفسيراً لإقحام الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها في القضايا العربية. فهم لا يفهمون سبب لجوء إيران إلى تمويل حماس وحزب الله، في الوقت الذي تترك فيه شعبها يعاني ويلات الفقر. وقد يكون القلق الإيراني حيال العراق وأفغانستان مبرراً باعتبارهما دولتين جارتين، إلا أن تدخّل حكومتهم في شؤون دول عربية أخرى مثل لبنان وسورية ومصر والبحرين واليمن، وحتى المغرب التي قطعت علاقتها مع إيران هذا الربيع، يبقى أمراً يكتنفه الغموض.
قد يكون من الأجدر بإيران الالتفات إلى قضاياها الداخلية العالقة مثل الأقليات البلوشية والكردية والعربية المهملة.
ويبدو أن لدول الخليج العربي، لا سيما في ظل انقسامها أخيراً بشأن قضايا متعددة من بينها العملة الموحدة والعلاقات مع العراق، مواقف متباينة حيال الاضطرابات التي سادت الشارع الإيراني بعد الانتخابات الرئاسية. وتنقسم آراء الشعوب الخليجية بين من يحسد الإيرانيين على حريتهم النسبية في التظاهر والانتقاد التي وُوجهت بتساهل كبير وسط النزاعات الإيرانية المتفاقمة، ومن يروعه العنف المستخدم ضد المتظاهرين في الشارع.
أما على الصعيد الرسمي، فيبدو جلياً أن لكل دولة خليجية علاقتها الخاصة مع إيران. فقد اعتزم سلطان عمان القيام «بزيارة تاريخية» إلى طهران في 28 يونيو لمدة ثلاثة أيام قد لا تتم على الأرجح بسبب الوضع الأمني. وكانت عمان قد وقّعت العام الماضي صفقة بقيمة سبعة مليارات دولار أميركي لتطوير حقل غاز كيش الإيراني، وهو رقم مرشح للارتفاع إلى 12 مليار دولار. وخلال الإدارة الأولى للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أشير إلى البحرين مراراً على أنها إحدى مقاطعات الجمهورية الإسلامية. وقد أرّقت هذه المزاعم المستمرة الحكومة البحرينية لدرجة أنها عكفت مطلع هذا العام على تعليق مفاوضاتها مع إيران بشأن صفقة توريد غاز طبيعي. وتمتد خلافات السعودية مع إدارة أحمدي نجاد على مستويات عدة؛ ففي شهر يناير من العام الجاري، وصف الأمير تركي الفيصل، مدير الاستخبارات السعودية السابق والسفير السابق للمملكة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، إيران بأنها أحد «ألدّ أعداء»بلاده. كما اتهم وزير الداخلية الكويتي الشيخ جابر خالد الصباح في سبتمبر الماضي إيران «بإيواء وتمويل»جماعات إرهابية من ضمنها القاعدة، الأمر الذي نفته إيران بشدة. ومن جهتها تعد الإمارات صاحبة العلاقات التجارية الأقوى مع إيران، إذ يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 14 مليار دولار أميركي سنوياً وهو ما يجعل من الإمارات الشريك التجاري الأبرز لإيران.
أما قطر، فتربطها علاقات وثيقة مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى حد أنها دعته إلى حضور القمم الخليجية والعربية التي استضافتها الدوحة على مدى السنوات القليلة الماضية.
وباستثناء قطر التي أرست علاقات شخصية وطيدة مع الرئيس الإيراني، لن تأسف أي من الدول الخليجية على رحيل أحمدي نجاد بغض النظر عن مواقفها الرسمية منه. وينطبق الأمر ذاته على العديد من الإيرانيين الذين ستتملّكهم السعادة لرحيل إدارة أفرزت لهم مستويات قياسية من البطالة والتضخم، فضلاً عن تدني علاقات بلادهم إلى الحضيض مع أغلب دول العالم المتطور. وتواجه دول الخليج الآن حكومة إيرانية لا تعرف كيف تتعاطى مع ذاتها.
❊ زميل غير مقيم
في كلية دبي للإدارة الحكومية