حقوق فضّية

حمدان الشاعر

منذ بدء الأزمة المالية العالمية، ودول العالم كافة تحاول جاهدة تلمس طرق الخروج منها من دون إغفال الدروس التي تم استخلاصها من ممارسات وأساليب، أدت إلى نشوئها في الأصل، ومع أن الأزمة كانت كارثة بكل المقاييس للاقتصاد العالمي، فإنها لكثيرين تعد فرصة للتعلم من الأخطاء، ومحاولة تجاوزها بأكبر قدر ممكن من المعرفة والإدراك. ولهذا الغرض، تنشط حالياً في الولايات المتحدة حركة جديدة باسم «حقوق فضية»، يقودها «جون براينت» نائب رئيس مجلس الرئيس الأميركي الاستشاري حول الثقافة المالية، التي تهدف في الأساس إلى صياغة مصطلح جديد، يرتكز على «حقوق الفرد في الحياة الكريمة المبنية على القدرة الاقتصادية التي تعتمد بدورها على معرفة خلفيات الاقتصاد والمؤشرات المالية التي تؤثر في كل فرد».

ويقول «براينت» الذي يهدف إلى جعل حملته بشأن المعرفة الاقتصادية قضية حقوق مدنية جديدة «إذا لم يكن لديك معرفة بلغة المال والحساب المصرفي فأنت عبد اقتصادي»، ولذلك، فإن مكافحة الأمية الاقتصادية تعد هدفاً للتحرر من نطاق العبودية الاقتصادية التي تكبل الفرد بالتزامات وضغوط لا يقوَ على التخلص منها ، فالمعرفة من شأنها منح الفرد فرصة ذهبية لفهم معطيات الاقتصاد والقدرة على التعامل مع متطلبات التعاملات المالية والحيلولة دون الوقوع في أزمات جديدة.

إذا كانت أعرق اقتصادات العالم تنادي لمكافحة الأمية الاقتصادية، والسعي اليوم إلى تثقيف مواطنيها اقتصادياً، فإن هذا يستدعي محاكاتها في وضع أسس لتنوير المجتمع بأساسيات الاقتصاد والمحاذير التي ينبغي إدراكها. ولأن المال عصب الحياة والكل معني به، صغيراً كان أم كبيراً، ذكراً أم أنثى، فإن التعلّم أصبح بالتالي ضرورة ملحّة، وليس شأناً تكميلياً، فالإقراض وأصوله والتمويل ومتطلباته والمضاربات في السوق المالية أو العقارية تتطلب تثقيفاً ملحّاً حتى يستطيع الفرد استيعاب تبعات تصرفاته، فلقد مضى عهد يتحول فيه من لا مهنة له إلى مستثمر في كل شيء، يبيع عن جهل ويشتري عن جهل من دون أدنى عناء في قراءة بيانات اقتصادية حقيقية تعينه على اتخاذ القرار السليم.

من هنا، يأتي دور المؤسسات في المجتمع كل حسب مسؤولياته، سواء المؤسسات المالية أم الإعلامية، من أجل بناء استراتيجية مشتركة تهدف إلى بناء قاعدة لوعي اقتصادي متين، لتمكين الفرد من معرفة حقوقه المالية وواجباته نحوها، حتى لا تتكرر المأساة ويتعلم الجميع من أخطاء الآخرين، فرُبّ ضارة نافعة.

 

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر