مبعوث خليجي خاص للسلام

سلطان سعود القاسمي

ما أن تقول «خطاب أوباما» حتى يعرف العالم العربي كله عما تتحدث، وإن لم تذكر المكان أو البلد الذي ألقي فيه الخطاب. فقد استمع العرب والمسلمون، المحكومون عموماً بحكام منفردين بالسلطة، إلى الرئيس الأميركي وهو يتحدث إليهم مرتين خلال فترة لا تتجاوز الستة أشهر، كانت الأولى خلال زيارته البرلمان التركي في الربيع، والثانية في جامعة القاهرة الصيف الجاري. وهذا العدد يفوق بمرتين عدد الخطب التي توجّه بها أغلب قادة العرب والمسلمين الى شعوبهم في العديد من الحالات.

ماذا عسى أن تكون ردة فعلنا، لاسيما أن خطابه تمحور حول القضية الفلسطينية؟ أوتذكرون الشعب الفلسطيني؟ أجل، فهو لايزال يعاني من ويلات الاحتلال والحصار الظالم والتضليل الذي تمارسه بحقه بعض الأنظمة ووسائل الإعلام في المنطقة. ولكي تتمكن الدول الخليجية من مساعدة القضية الفلسطينية على نحو جاد، لا بد لها بدايةً من ملاقاة الرئيس أوباما في منتصف الطريق. ويمكنها أن تبدأ بتعيين مبعوث للسلام خاص بالقضية الفلسطينية، ينتقل بين مصر ودول شرق المتوسط ليلتقي قادة السلطة الفلسطينية وسورية ولبنان والأردن و«حماس» و«حزب الله»، وحتى إسرائيل. لماذا؟ لأن ذلك سيصب بشكل رئيس في مصلحة الشعب الفلسطيني في مخيمات اللاجئين، وفي مصلحة شعوب المنطقة التي تنتظر إحلال العدالة منذ ستة عقود. فأغلب الفلسطينيين والعرب الذين يرفضون عملية السلام يعيشون حياةً هانئة في المنطقة أو في الدول الغربية حيث يستطيعون أن يطلقوا أحكاماً سهلة حيال صبر الشعب الفلسطيني على حياة البؤس والشقاء في مخيمات اللجوء.

ويمكن لدول الخليج أيضاً أن تؤسس صندوقاً ضخماً قد تصل قيمته إلى مليارات الدولارات، يكون جزءاً من صلاحية المبعوث الجديد، على أن يتولى الإشراف شخصياً على إنفاق أموال هذا الصندوق تبعاً للتطورات التي يتم إحرازها على أرض الواقع، وأن يتحقق من وصولها إلى من هم في أمس الحاجة إليها من أبناء الشعب الفلسطيني. كما يتوجب على هذا المبعوث أن يحول دون صرف هذه الأموال لصالح «فتح» أو «حماس».

فحتى الآن قامت الولايات المتحدة بتعيين جورج ميتشل مبعوثها الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، واختارت الرباعية الدولية عديمة الفعالية «المكونة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة» طوني بلير للقيام بهذه المهمة، كما عينت الصين مبعوثها الخاص صن بيجان. أما الرئيس الروسي، فقد ذهب بعيداً بتعيينه نائب وزير الخارجية ألكساندر سلطانوف مبعوثاً خاصاً للسلام في الشرق الأوسط، ناهيك عن الحكومة الهندية التي اختارت سي آر جاريخان مبعوثاً خاصاً لعملية السلام في غرب آسيا والشرق الأوسط. ويبدو أن أكثر من نصف العالم قد أخذ الموضوع على محمل الجد أكثر من العرب.

ولعل الحالة الأقرب لمبعوث السلام الخاص عند العرب هو رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان الذي تتمثل مهمته الرئيسة الآن في لعب دور الوسيط بين الفصائل الفلسطينية المتخاصمة، بالإضافة إلى زيارة الإسرائيليين والأردنيين.

لقد آن الأوان للعرب، ولاسيما عرب الخليج الغني بالنفط، أن يعينوا مرشحاً توافقياً يتسم بالخبرة الدبلوماسية والقدرة على تمثيلنا في مفاوضات السلام التي يدعو إليها الرئيس أوباما. ولا ينبغي على الدول الخليجية أن تهدر المزيد من الوقت فيما يتولى آخر «أعمالهم المكروهة» نيابةً عنهم. ففي نهاية المطاف لن تُحل أزمة الشرق الأوسط من تلقاء ذاتها، على الأقل ليس سلمياً.

علينا أن نتعظ من بقية العالم باستخدام نفوذنا الاقتصادي «ففي نهاية المطاف، نحن نمتلك ما يصل إلى نصف احتياطي العالم من النفط»، وأن نعين مبعوثاً يتفرغ للانتقال بين دول المنطقة والتقريب بين المواقف العربية. ويمكن لمبعوثنا أيضاً أن يزور الصين وروسيا والهند وأوروبا والولايات المتحدة والأمم المتحدة ليتحدث باسمنا. ومن المهم جداً لهذا المبعوث أن يتقن اللغة الإنجليزية على الأقل، وأن يجيد فنون المفاوضات والدبلوماسية. فمن شأن خطوةٍ كهذه أن ترسل إشارة قوية إلى إدارة الرئيس أوباما وبقية العالم تبين مدى جديتنا حيال عملية السلام. وينبغي أن يكون رفع الحصار عن قطاع غزة أولى مهام المبعوث الجديد، فهذا كفيل بأن يثبت للعالم أن الاقتصاد مهم للسلام والسلام مهم للاقتصاد. وبما أن دول مجلس التعاون الخليجي تبدو غير متفقة على الكثير من القضايا في الآونة الأخيرة، فقد يكون من الأسهل انتقاء مرشح بالإجماع من قائمة الأمناء العامين السابقين للمجلس الذين تجمعهم علاقات طيبة بكافة القادة الخليجيين.

هناك الكثير من العرب الذين سيشككون في نيات أوباما وقدرته على إحلال السلام في المنطقة. صحيح أن أوباما ليس كاملاً، فقد أبدى سذاجةً واضحة عندما دعا إلى اعتبار القدس عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل خلال حضوره مؤتمر منظمة «إيباك» الأخير، في خطوة تهدف لكسب تأييد اللوبي الصهيوني، إلا أنه فرصتنا الأفضل في الشرق الأوسط. وأقل ما يمكننا فعله هو ملاقاته في منتصف الطريق.

أجل، هو ليس كاملاً، ولكننا جميعاً كذلك.

❊ زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية

تويتر