«الأمازون المطرية» و«الإمارات العربية» رئتا العالم

سلطان سعود القاسمي

شهد المنتدى الاقتصادي العالمي حول أميركا اللاتينية، الذي استضافته مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية ربيع العام الجاري، جلسة خاصة مدتها نحو ساعتين لمناقشة مستقبل غابة الأمازون المطرية. وضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط الذي استضافه الأردن الشهر الماضي، انعقدت جلسة مشابهة على مدى ساعتين أيضاً لمناقشة مستقبل دبي. كان ذلك بالنسبة لي أبلغ دليل على الأهمية الكبرى التي تكتسبها المدينة، وبالتالي دولة الإمارات، دوناً عن سائر المنطقة. فكما تعد غابة الأمازون المطرية الرئة الحيوية للقارة الأميركية والعالم، كذلك تشكل دبي ودولة الإمارات القلب النابض لمنطقة الشرق الأوسط. وكان من ضمن المشاركين في النقاش الذي دار حول دبي في اليوم الأخير للمنتدى اثنان من أشد المنافحين عن المدينة، هما الشيخ خالد بن زايد بن صقر آل نهيان، مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة شركات «بن زايد» وأحد رجال الأعمال الإماراتيين البارزين المقيمين في دبي؛ وناصر بن حسن الشيخ، المدير السابق لدائرة المالية في الإمارة.

وأشار الشيخ خالد إلى أن قلة من الناس يعرفون بشأن المبادرات التي تقودها دبي لتفعيل دور قطاع الأعمال، ولقاءاتها المستمرة مع قادة هذا القطاع لتبادل الأفكار حول أفضل السبل لاجتياز الأزمة المالية العالمية الراهنة. وأضاف أن المقالات الصحافية السلبية التي كتبها صحافيون أجانب حول دبي قدمت خدمة استشارية مجانية: ففي الوقت الذي نتجاهل فيه الأضاليل الحاقدة، فإننا نستطيع أيضاً أن نستمد منها الأفكار الإيجابية حول كيفية تطوير بلدنا.

ومن جهته، سلط ناصر الشيخ الضوء على الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، والمتمثلة في نمو دبي على نحو يقارب شقيقاتها في الحكومة الاتحادية خلال الأشهر الستة الماضية، ما يدل على حكمتها في التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية. وأشار في سياق حديثه إلى مسارعة المصرف المركزي إلى الاكتتاب على الشريحة الأولى من السندات السيادية التي أصدرتها حكومة دبي بقيمة 20 مليار دولار أميركي.

تركت تلك الكلمات أصداء عميقة في نفسي بينما كنت جالساً في القاعة المكتظة أفكر في مدى صحة هذه المقولة. وسواء كان الأمر نتيجة للأزمة المالية العالمية أو تنفيذاً لخطة تم الإعداد لها منذ وقت طويل، تبقى الحقيقة المهمة أن الأزمة أسهمت في تعزيز وحدة الإمارات السبع على نحو أقوى مما كانت عليه سابقاً.

فعلى المستويين النفسي والفردي، اصطف المواطنون والمقيمون من أنحاء دولة الإمارات كافة خلف دبي في مواجهة المقالات السلبية التي أرادت النيل منها في الصحافة الأجنبية. وتمثل مبادرة «وعد لجيل جديد»، وهي مجموعة نقاش أطلقتها ثلاث شابات إماراتيات وسيدة مقيمة، لبحث الموضوعات التي تهم البلاد على الملأ، واحدة من المبادرات الشخصية العديدة التي انبرى أصحابها لمواجهة المزاعم الأجنبية.

أما على المستوى الاتحادي، فقد شهدت الآونة الأخيرة عودة قوية لدور الحكومة الاتحادية في تسيير أمور البلاد اليومية، بعد فترة شعر فيها الكثير من المواطنين، بتراجع هذا الدور لمصلحة تطبيق القوانين المحلية الخاصة بكل إمارة.

ولعل من أبرز مظاهر هذا الدور الاتحادي هو إطلاق «مجلس الإمارات للتنافسية» برعاية كريمة من صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي تعد من دون شك الجهة الاتحادية الأكثر أهمية منذ تأسيس «المجلس الوطني الاتحادي» في عام .1972 ويحظى المجلس الجديد بصلاحيات اتحادية وينتمي أعضاؤه إلى مجمل الإمارات السبع الغنية منها والفقيرة.

ويهدف «مجلس الإمارات للتنافسية»، بصلاحياته الكبيرة، إلى وضع البلاد على خريطة الأمم الأكثر تنافسية في العالم. وتعمل هذه الهيئة الفتية على 61 مبادرة تم تحديد 14 مبادرة منها كمشروعات ذات أولوية كبيرة لتطوير تنافسية دولة الإمارات ، من بينها مقترحات لتطوير قطاعات التعليم، والبنية التحتية، والموارد البشرية.

كما أطلقت الدولة تأشيرة دخول اتحادية موحدة متعددة السفرات سارية لستة أشهر لمشتري العقارات الأجانب؛ وبغض النظر عن الجدوى العملية لهذه الخطوة، إلا أنها تعد في نظر الكثيرين قانوناً اتحادياً يأتي بعد سنوات عدة من غياب التشريعات الاتحادية الجديدة، عكفت خلالها كل إمارة، وعدد من المسؤولين، على تفسير القوانين العقارية كل على هواه.

ومن ضمن المشروعات الاتحادية أيضاً إنشاء شبكة سكك حديدية بخطين تمتد من الرويس في إمارة أبوظبي وصولاً إلى الفجيرة بكلفة تقديرية تصل إلى ثلاثة مليارات دولار أميركي.

وحتى «المجلس الوطني الاتحادي» شبه الغائب بدأ يتطرق إلى الموضوعات الشائكة، مثل الاتجار في البشر وإساءة معاملتهم، بالإضافة إلى مساءلة الوزراء وكبار المسؤولين الاتحاديين، بمن فيهم محافظ المصرف المركزي ذاته.

صحيح أن بعض المؤسسات الاتحادية تم إهمالها أو تجاهلها في المرحلة السابقة في غمرة الاندفاع نحو التطوير بأقصى سرعة ممكنة، لكن يبدو أن الهيئات الاتحادية قد عادت الآن لاستلام دفة القيادة مرة أخرى.

وفيما واصل ناصر الشيخ الترويج لنموذج دبي في التطوير بأسلوبه المميز والشفاف، لم يسعني إلا التفكير ملياً في كلماته الحكيمة؛ وكيف أن دولة الإمارات، الغابة المطرية للشرق الأوسط، ستتجاوز الأزمة المالية العالمية أكثر وحدة وتماسكاً مما سبق.

❊ زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية

تويتر