هزائم المنتصرين
قلّما نجد عند الكتاب والشعراء تلك المحبة للسينما، التي تدفعهم لكتابة «نقدية» سينمائية، وقلما نجد بينهم من يفضل فيلماً عن رواية أو مسرحية على الرواية أو المسرحية الأصلية، لأن اغلبهم يعتقد بأن السينما تعجز تماماً عن تفليم الأدب والمسرح! لكن السينما، وهي تأثرت بالأدب وأصبحت تغرف من كنوز رواياته، أصبحنا قلما نجد فيها فيلماً غير مٌعّد عن رواية!
في «هزائم المنتصرين-2000» لا يتوقف الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله، عند محبة السينما، بل يذهب ابعد، ليضيف إلى إنتاجه الأدبي كتاباً أدبياً شيقاً عن الأفلام، استغرق في كتابته خمس سنوات. في البداية راح الكاتب يكتب مقالاته عن الأفلام باسم مستعار، لأن الكتابة السينمائية ليست من اختصاصه، لكنه حينما اكتشف، أن اسمه المستعار يعود إلى شخص آخر، يكتب عن السينما، في بلد آخر، توقف عن الكتابة. وبعد أن عاد ليكتب، بدأ يضع اسمه الحقيقي!
لماذا السينما؟
ليست السينما، حسب الكاتب، هي الفن السابع، بل هي الفنون السبعة، التي تُحتّم علينا، كأدباء، أن نتعلم منها، كما تعلم مخرجوها الأوائل من المسرح والرواية والموسيقى والفن التشكيلي. وكما تكون السينما بحاجة لسواها من الفنون، يكون الفنانون والأدباء والشعراء بحاجة إلى السينما أيضاً؟
ورغم أن السينما، هي الأقرب إلى الرواية، فإن ما سيظل ينقص الرواية، أن سردها بالكلمات، لن يستطيع، أن يجعلنا نتصور صورة الأشياء كما نرى صورها، حسياً، في السينما. إن زمن الصورة، يُحتم على من يكتب الرواية، الإفادة مما تحققه السينما، لأنها أصبحت قادرة، بالصور، على تجسيد أكثر الأفكار، غرابة وواقعية. ورغم الاختلاف الجوهري بين الأدب والسينما، فإن الفيلم مازال يشكل مادة ثقافية مهمة للروائي، كما تشكل الرواية، أيضا، عنصراً مهماً في العمل السينمائي الثقافي.
لماذا هزائم المنتصرين؟
إنها كتابة، تذهب، غالباً، في خط سير يبحث عن مغزى مُلتبس، لأبطال منهزمين، يقتربون في النهاية من تحقيق نصر خاص، مُكلل بتيجان الخسارة، يُضمر في داخله هزيمة حزينة! ينصرف البحث، وفقاً لمنظور الكاتب، ليكشف حكاية مثل هذا المغزى الفكري، بتنويعاته الدرامية والفنية، في عدد من الأفلام الأميركية المعروفة، التي أُنتجت في نهاية القرن الماضي، ويبين هدفه في اختيار الأفلام، من رغبته في الوصول إلى جمهور يعرف الأفلام، التي يكتب عنها، ومن كون السينما الأميركية، هي اللاعب الوحيد في صالاتنا. أكثر من ذلك، يريد الكاتب قراءة هذا اللاعب والتعرف إليه بخيره وشره.
لا تنتسب الأفلام المختارة، في اغلبها، إلى السينما التجارية الرائجة، إنما تنتسب إلى ما يمكن تسميته بالسينما «النوعية» الناجحة مثل: «فورست غامب» و«الرقص مع الذئاب» و«الهامس للحصان»، و«روميو وجولييت» و«ايفيتا» و«الشعب ضد لاري فلنت» و«سبعة» و«اللعبة» و«مدينة مجنونة» و«حرارة» وأفلام شيقة أخرى. في تناوله للأفلام لا يستخدم الكاتب اللغة الواصفة المعهودة، التي يستخدمها غالباً النقاد، إنما يُعبر، بلغته الأدبية الخاصة، عن رؤيته للفيلم، ليجعلنا نقرأ ليس نقداً لأفلام سينما، إنما نقرأ نقداً ممتعاً في ثقافة السينما وأدبها.