القدس أختي السجينة

سلطان سعود القاسمي

تم اختيار القدس هذا العام من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لتكون عاصمة الثقافة العربية. وما لم تدركه اليونسكو هو أن العرب يقدسون هذه المدينة فقط في وجدانهم ولغتهم البلاغية: أي لا يوجد دعم حقيقي لهذه المدينة المقدسة.

وأخيرًا، دعا وزير الأوقاف المصري محمد حمدي زقزوق، العرب والمسلمين لزيارة القدس، ذلك المكان الخيالي الذي يوجد في ذاكرة مئات الملايين من شعوبنا.

أقول مكاناً خيالياً لأنه، على حد ما يعنينا في هذه المنطقة، يوجد فقط على التلفاز، ومن القصص التي نسمعها من المسافرين والزائرين. وفي اعتقادنا وللأسف، لا تختلف القدس عن الدورادو، شانغريلا وأتلانتس.

شهدت العقود القليلة الماضية قيام المستوطنين الإسرائيليين اليهود بالتعدي تدريجياً على الممتلكات والحقوق في محيط الأحياء العربية بالمدينة. وتتعرض القدس لفقد هويتها عاصمةً عربيةً وإسلاميةً، ويجب علينا أخيراً أن نعترف بأن قسمًا كبيرًا من اللوم يقع على عاتقنا. فكيف يمكن للعرب أن تكون لهم صلة قوية بمكان لم يقوموا مطلقًا بزيارته أو رؤيته بأنفسهم؟

هذه المدينة القديمة هي ثاني مدينة بعد مكة من حيث الأهمية الدينية للمسلمين، فهي أولى القبلتين، إلى أن صدر الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالتوجه شطر مكة أثناء الصلاة.

هل من الممكن زيارة القدس؟ نعم من الممكن. سافر بالطائرة إلى عمان واستقل سيارة أجرة إلى الحدود الإسرائيلية، وتحمّل الإجراءات الاستفزازية عند نقاط التفتيش الإسرائيلية التي لا تختلف كثيرًا عن مثيلاتها الأميركية، اطلب منهم عدم ختم جواز سفرك، وعلى الجانب الآخر نادِ على تاكسي «جيلو»، المملوك بالكامل لمواطن عربي، وتوجه به إلى القدس.

في المدينة المقدسة، لتكن إقامتك في فندق «الأسوار الذهبية»، المملوك أيضًا لعرب، الواقع تمامًا على الحدود الخارجية لأسوار المدينة، بالقرب من بوابة دمشق. بعد التسجيل في الفندق، اذهب مشيًا إلى مطعم الباشا، وهو أحد المطاعم العديدة المملوكة لعرب ومسلمين في القدس. قم بزيارة معرض الوسيطي للفنون المجاور واشترِ إحدى الصور التي رسمها عرب أمثالك وأمثالي. قم بالتجول في السوق العربية المليئة بالنشاط والحيوية، واستمتع بالتاريخ الذي تركه العرب من بين حضارات أخرى في البيوت المبنية من الحجر الجيري بالمدينة، علاوة على مساجدها وكنائسها، وفي كل ركن من أركان شوارعها.

في النهاية، إذا كنت عربياً مسلماً، فصل في المسجد الأقصى وقم بزيارة الحرم الشريف. وإذا كنت عربيًا مسيحيًا، فعندئذٍ اسلك طريقك نحو كنيسة القيامة، التي يقال عنها إنها أقدس موقع مسيحي في العالم، والواقعة داخل أسوار البلدة القديمة بالقدس.

لقد كتبت في السابق حول أهمية دعم إخواننا داخل إسرائيل، أبناء الفلسطينيين الشجعان البالغ عددهم 120 ألفاً، الذين بقوا في أراضيهم عندما أقيمت إسرائيل في عام ،1948 والآن يبلغ عددهم أكثر من مليون نسمة. وقد عاشوا وماتوا في سبيل قضايانا ومع ذلك نحن نتخلى عنهم. نحن حقًا أسوأ الأصدقاء، فهل هناك مَنْ يحتاج إلى أعداء وهو لديه أصدقاء مثلنا؟

إننا ندعي أنها المدينة المقدسة، ومع ذلك رفض كل من بابا الأقباط شنودة الثالث وإمام شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي الدعوات لزيارة القدس وهي قابعة تحت ظل الاحتلال. وفي اللحظة نفسها، يقولون إن المدينة «ستظل دومًا عربية». أنا لا أفهم هذا المنطق. وبفضل هذه السياسة الضيقة في أفق التفكير، قام فقط عدد قليل يقدر بعشرات الآلاف من العرب بزيارة المدينة في العقود القليلة الماضية، بينما يقوم ملايين من اليهود والمسيحيين غير العرب بزيارتها سنويًا. فكيف يمكن للمدينة ـ إذن ـ أن «تظل دومًا عربية»؟

إذا تعرض أخوك للسجن ظلمًا أعواماً عديدة من قبل جهة أجنبية ويتعذر عليك بشكل واضح أن تحرره من سجنه، هل تتخلى عنه وتترك زيارته بحجة أنها ستعطي الشرعية لسجنه أو تمثل اعترافًا بشرعية ذلك السجن؟ أم ستقوم بدلاً من ذلك بزيارته باستمرار مرة بعد أخرى؟ إنك بذلك تظهر له الدعم داخل عائلتك وتظهر أهمية أخيك بالنسبة لك ولعائلتك ولبقية العالم. أم ستنتظر حتى يصبح حراً، وبعدئذ تزوره؟

لا تلتفت إلى نداءات الجيل الذي كانت القدس في يديه، فأضاعها، والآن يريد منا عدم زيارتها. اذهب وقم بزيارة إخوانك العرب. وأقم في فنادقهم وبيوتهم. وتناول الوجبات في مطاعمهم ومقاهيهم، وتسوق في متاجرهم ومعارضهم. وأحضر لهم الهدايا التذكارية من وطنك. وتحدث إليهم بلهجتك العربية المحلية. وعلمهم الأقوال المأثورة والعادات السائدة لديك. ومد لهم يد الصداقة والمساعدة.

في النهاية، ضع نفسك في مكانهم، ألن تريد الدعم من إخوانك العرب إذا كانت مدينتك محتلة؟

لا تتخلى عنهم بعد اليوم، لقد تسببنا فعلاً بما يكفي من الأضرار، تدعي بأن القدس هي قضية العرب الأولى؟! اثبت ذلك.

❊ كاتب إماراتي

تويتر