قرصنة!

حمدان الشاعر

كشفت الصحافة الغربية أخيراً عن كثير من الغموض الذي اكتنف النشاط المتزايد للقراصنة الصوماليين في بحر العرب وخليج عدن، والسر الذي كان خافياً أصبح متداولاً على نطاق واسع، تؤكده تقارير استخباراتية موثقة عن قيام الغرب متمثلاً في أساطيله باستباحة المياه الصومالية وجعلها مقبرة للنفايات السامة والخطرة ومرتعاً لظهور أمراض خطيرة أصبحت تنهش في أجساد الكثيرين من أفراد الشعب الصومالي المسلم، ناهيك عن الاستنزاف المزمن للثروة السمكية في المياه الدولية المقابلة لشواطئ الصومال. من هنا فإن «القرصنة» في نظر الكثيرين لا تعد خرقاً للقانون والنظام، فهي جزء من كلفة الضرر والتعويض عن الضرر.

على الوتيرة نفسها يلجأ الغرب إلى دمغ كثير من الممارسات الرافضة هيمنة الاحتكار في صناعة البرمجيات أو صناعة الدواء أو طباعة الكتب، بأنها «قرصنة» ويجأر بالشكوى دائماً في حال تعرضت «براءة» منتجاته المخترعة للانتهاك، فها هو يصنف دول العالم دورياً بمدى التزامها بمكافحة «القرصنة» وتظل دول العالم الثالث متوجسة خوفاً عشية صدور اللائحة، فكأنها إدانة معولمة بسوء السلوك.

هذا على الرغم من أن كثيراً من الدول النامية ترفض سلوك الغطرسة الخالي من المسؤولية والإحساس، فكيف لدول فقيرة ينهش المرض جزءاً كبيراً من شعبها تحمل كلفة دواء باهظ محتكر إلا أن تقوم بتكسير تركيبته وإعادة إنتاجه بسعر معقول وتوزيعه على شعبها كما تفعل البرازيل وجنوب إفريقيا والهند، وكيف لطلبة فقراء في دول فقيرة تحمل كلفة شراء الكتب التخصصية في الطب والهندسة إلا أن يقوموا بنسـخها وإعـادة توزيعـها بينهم.

هذه الهوة بين الأغنياء والفقراء صنعت أيضاً قراصنة في مجالات شتى، وهنا يحدث التمازج بين المفردات حين تتحول مصالح الغرب إلى أولوية يسعى الجميع إلى تحقيقها ويذهب الباقون إلى الجحيم.

كانت وصمة «القرصنة» يوماً ما رديفة لمصطلح الإرهاب في عالم اليوم، وكل من يجرؤ على الدفاع عن وطنه فهو قرصان.

وفي القديم وعلى شواطئنا ذاد «القواسم» عن سواحل الوطن ودخلوا في معارك حامية ضد أساطيل الغرب الغازية، ورغم ذلك وصفوا بأنهم قراصنة، وهم يدافعون عن الوطن القريب ضد سفن عبرت آلاف الأميـال لتصل مياهه.

علينا ألا نصدق المسميات التي تطلق، وألا ننساق خلف إعلام يحمي مصالح دول ما ويتجاهل أن الحياة هي حق بسيط لكل شعوب الأرض مهما كانت درجة فقرهم أو عوزهم، وأن نضالهم سيبقى للدفاع عن أرضهم وحقهم البسيط في الحياة.

 

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر