القبائلية وأهل الخليج

سلمان الدوسري

صحيح أن هناك من يتصوّر خاطئاً أن القبيلة محصورة في الخليج فقط، وهذا مردّه اعتبارات كثيرة ليس هنا المجال لشرحها، لكن الأكيد أن المجتمعات الخليجية هي الأكثر التصاقاً بالقبيلة منذ نشأة هذه الدول في القرن الماضي، كل هذا يجعل من القبيلة بالفعل وتداً للدولة الخليجية، لكن هل هذا يعني أن تتحول القبيلة بمفهومها الواسع إلى القبائلية بمفهومها العرقي؟

ومفهوم القبائلية ليس من عندي، فهو عائد للكاتب عبدالله الغذامي الذي فاجأنا كالعادة بكتاب جديد يحمل جديداً، هذه المرة كان عنوانه مثيراً للاهتمام «القبيلة والقبائلية هويات ما بعد الحداثة»، وهو بالفعل يلخص كل معاني الفرق بين القبيلة وبين التحول الذي يطرأ عليها من مكنون ثقافي واجتماعي طبيعي نشأت لضرورة معيشية وبيئية، إلى القبائلية وهو مصطلح غير محايد وانحيازي وعرقي يقوم على الإقصاء والتمييز.

ولكي نتصور الفرق بين القبيلة والقبائلية، كما يقول الكاتب، «يمكننا استدعاء مصطلحات مثل المذهب والطائفة والشعب، ونضع قبالتها تعبيرات كالمذهبية والطائفية والشعوبية، وسنرى مباشرة أن كلمة الشعوبية كلمة عنصرية إقصائية وذات دلالة سلبية، بينما كلمة الشعب هي كلمة محايدة وطبيعية.. ومثلها الطائفية والمذهبية».

الحقيقة أن الكاتب أعطى تشريحاً دقيقاً لواقع القبيلة والتحولات التي آلت إليها، هذه التحولات هي، للأسف، ما أفرز واقعاً أبعد بكثير من التسلسل الطبيعي لمفهوم القبيلة، لتتحول من ما هو فطري وطبيعي إلى ماهو نسقي وعنصري، هل أقول عنصرياً؟ نعم كثير من الممارسات في المجتمعات الخليجية أضحت تكرس الإقصاء للآخر، وكلما بدا أن التطور الحضاري انعكس على هذه المفاهيم، وجدنا أنفسنا ونحن في القرن الـ،21 نشاهد مكنونات ثقافية هي أقرب إلى العصر الحجري، ومع ذلك فقد تعودت عليها المجتمعات حتى أصبحت تصرفات طبيعية وليست شاذة.

الأشدّ غرابة أن هناك الكثير من الفعاليات الكبرى في المجتمعات الخليجية تناقض أقوالها بأفعالها، فهي تطالب بأن تتحول القبيلة لخدمة الدولة، لكنها في الوقت نفسه تحرّض، بشكل مباشر أو غير مباشر، على استمرار سيطرة القبيلة على الدولة، وهذا سرّ ليس بالجديد، فمتى حضرت القبيلة، في كثير من الأحايين، تفوق الولاء لها على حساب الدولة، هذا في حدودها القصوى، ناهيك عن السعي لرفعة وتمجيد القبيلة فوق جميع القبائل الأخرى، وهكذا تفعل أيضاً القبائل الأخرى.

حينما سخر أبوذرّ الغفاري رضي الله عنه وعيّر رجلاً بأمّه الأعجمية، كان الردّ سريعاً والإرشاد حاضراً من محمد عليه الصلاة والسلام «إنك امرؤ فيك جاهلية»، ولو التفتنا يميناً ويساراً، بين أقرب المقربين إلينا، كم منهم سيكون امرأً فيه جاهلية؟ القائمة بالتأكيد ستطول وتطول وتطول، فما أن تحضر القبيلة حتى تغيب القيم الأخرى، ثقافية كانت أو اجتماعية، بل حتى دينية أحياناً!

تويتر