القمار وأسواق الأسهم

سلمان الدوسري

ضربت أسواق المال الخليجية كما لم تضرب من قبل. انخفضت قيمتها السوقية بمئات المليارات. تبخرت أموال المساهمين حتى أصبحت هباء منثورا، تبخر أكثر من 420 مليار دولار من ثروات دول مجلس التعاون الخليجي في الربعين الماضيين، منها 64 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري، ما أدى إلى انخفاض القيمة السوقية لأسواق دول الخليج بنسبة 43.4٪. وواصلت أسواق المال انحدارها حتى بلغت مستويات غير مسبوقة، قبل أن تسترد أنفاسها أخيرا، ولاح في الأفق ما يبدو أنه آخر القيعان المنتظرة.لسنا في حديث عن المليارات من الخسائر التي سجلتها هذه البورصات، ولا عن الفرص المتاحة والثمينة، بحسب تقارير اقتصادية لمؤسسات عريقة أثبتت فشلها يوما بعد الآخر! ولن نتحدث عن خراب البيوت الذي نال الكثيرين من المواطنين والمقيمين الخليجيين من جراء «سنة النكبة»، إذا صح التعبير، ما يهمنا الآن: هل تم استيعاب هذه التجربة المريرة على قطاع ليس بالهين من الخليجيين؟ الإجابة للأسف لا، وبالبنط العريض، فزيارة سريعة لصالات التداول، أو الاطلاع على منتديات الأسهم على الإنترنت، لاشك أنها ستصعق أي متابع، فالتوصيات السحرية لا تزال تهيمن على قطاع كبير من صغار المتداولين، وحلم الثراء السريع، أو تعويض الخسائر السابقة، هو ما تبحث عنه هذه الفئة، والتي نكرر أن غالبيتهم من صغار المستثمرين، وهم الأكثر تضررا بكل تأكيد.

من الواضح أن المآسي التي خلفتها انهيارات البورصات الخليجية لم تثمر في تعلم الدرس جيدا من شريحة واسعة من المتداولين، بل إن البعض منهم أصبح «يقامر» بعد أن كان «يغامر»، فالتعويض السريع أضحى هدفا يراه البعض مشروعا، ومن أجل هذه الغاية فالوسيلة ستبرر كل ما يمكن القيام به. الحمد لله أن المصارف أصبحت شحيحة بالسيولة، على الأقل سنضمن، إلى حد ما، توقف البنوك عن تمويل غير عقلاني لعمليات شراء الأسهم، كما كان سابقا، وإلا لأصبحت المصيبة مصيبتين. صحيح أن التوقعات تنذر بهدوء لأسواق المال خلال الفترة المقبلة، وصحيح أيضا أن طفرة الأسهم لن تعود مرة أخرى، بصورتها السابقة نفسها، لكن مرور مثل هذه التجربة القاسية جدا على متداولي الأسهم، ثم خروجهم منها من دون الاستفادة منها، يجعلنا ندور في حلقة مفرغة، ترتفع الأسواق، يغامر المتداولون، يطمع الرابحون، ثم يحدث ما هو طبيعي من تصحيح، فتخرب البيوت من جديد، وتتزايد مصائب المجتمع، ويصيح الخاسرون، ويلقون بالمسؤولية، كالعادة، على الجهات الرسمية.

انتظروا قليلا حتى تبدأ الأسواق في استعادة نشاطها المحموم، ستعود الأسطوانة السابقة نفسها، وينسى كل من احترق بنار الأسهم مصائبه، مؤقتا، وسيلتحق بركب المتداولين بحثا عن الكنز المفقود. ولم يستفد من أقسى الأزمات التي مرت على المنطقة، إلا القلة القليلة، أما الغالبية فهاهم يستمرون في «مقامرتهم» الشرعية، حتى لو تسببت في خسائر تليها خسائر، فهل رأيتم مقامرا أعتزل القمار بسهولة؟

 

ssalmand@gmail.com

تويتر