ظاهرة قذف المحصنات

قذف المحصنات وهن البريئات اللاتي لم تقم بينة كاملة عادلة على وقوعهن في الفاحشة، من أكبر الكبائر، فقد قال الله جل ثناؤه : {وَالذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُم لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون}. وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من الموبقات، أي المهلكات في الإثم، كما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». فعد هذا القذف في عداد الشرك والسحر والقتل..؛ وذلك؛ لأن هذا القذف يعني هتك العرض، وهو من أشد المحرمات في الإسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم: «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا». كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وإنما كان كذلك؛ لأنه يبيح دم المقذوف، لو قامت البينة العادلة، إذ ترجم إن كانت ثيباً أو تجلد إن كانت بكراً، لذلك أحاط الشارع الكريم هذا الباب بسياج من الستر، فلم يجز الإقدام عليه إلا مع البينة الكاملة وهي أربعة شهود يشهدون عن رأي عين كمرود في مكحلة، وكالشمس في رائعة النهار، فإن لم يتوافر ذلك كان قذفاً، يوجب الحد على القاذف، وهو ما بينه القرآن الكريم بقوله:{ فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون}. وقد ثبت أن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه جلد في القذف ثلاثة، حيث اختلفت شهادة الرابع، فأبطل شهادة الجميع وأقام عليهم حد القذف، وهذا الحد في الدنيا، أما حدهم في الآخرة فهو العذاب الأليم الذي بينته الآية الكريمة، وكان ذلك من إشاعة الفاحشة بين الناس التي مقت الله تعالى مشيعيها وتوعدهم بالعذاب الأليم، كما قال سبحانه: {إِن الذِينَ يُحِبونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنْيَا وَالْآَخِرَة}. لأن إشاعتها فعلاً أو قولاً مؤذن بعذاب مقيت، فقد أخرج البيهقي في الدلائل من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «... ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية، إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم». وفي رواية « إلا سلط الله عليهم الموت». لذلك كان الإسلام يدعو إلى الطهر والعفاف في المجتمعات حتى لا تتعرض لمقت الله وغضبه، العام أو الخاص، فكما جعل إظهار الفاحشة موجباً لعذابه ومقته، فكذلك من يشيعها بقوله. فليتق الله تعالى أولئك الذين لا يبالون بأعراض الناس، فإن الله لهم بالمرصاد، فقد حكم عليهم بالفسق، وتوعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا بإقامة الحد، وفي الآخرة بالعقاب الأليم.





❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دبي

تويتر