أزمة «مالية» و«تعدّي»!

سلمان الدوسري

يقولون أزمة مالية عالمية، ولكننا لم نرَ منها إلا تسريح موظفين وتخفيض رواتبهم. الطبيعي أن يجد محدودو الدخل ضالّتهم أخيراً من هذه الأزمة. تنخفض الإيجارات فتنعكس على الأسعار عموماً، لكن ذلك المواطن المسكين لا يجد من هذه الأزمة إلا همّاً على هم، وديناً فوق دين، ولا فائدة ترجى إطلاقاً، حتى لمن لم يستثمر يوماً في حياته.

عندما تتغير معادلات الاقتصاد التي درسناها وقرأناها وحفظناها عن ظهر قلب، فلا شك أن هناك أمراً غير منطقي يجري بيننا وحولنا. يرتفع سعر البترول فترتفع الأسعار، «قلنا ماشي»، تنهار أسعار النفط إلى ما دون الأربعين دولاراً، و«لا حس ولا خبر». نسمع عن سيولة هائلة تدخل المنطقة، تتسبب في تضخم حاد يشعل ناراً في الأسعار والإيجارات لم يسبق لها مثيل، تختفي بسرعة هذه السيولة وتهرب إلى الخارج، يلتفت المواطن البسيط بحثاً عن عودة الأمور إلى ما كانت عليه، فيجد الإجابة سريعاً: ما ارتفع بفعل الاقتصاد، يبقى مرتفعاً بفعل بعض التجار!

تنهار صناعة السيارات عالمياً، ونحن على قدر بسيط من الإدراك، أننا لسنا من صناع السيارات، ولا حتى أبوابها، ومع ذلك تنخفض أسعار السيارات في كل أصقاع الدنيا، إلا في دول مجلس تعاوننا الخليجي فلايزال للغلاء بقية، بل إن شركات المشروبات الغازية تمعن في التحدي وترفع أسعارها.

تشتكي صناعة الطيران الإقليمية من تأثير ارتفاع أسعار البترول، وأنه كلما ارتفع النفط دولاراً، خسرت هي مليون دولار يومياً، فترتفع أسعار التذاكر بشكل مبالغ فيه، فالبترول يحلق في العلالي. حتى إذا انخفض البترول وتلاشت تلك الخسائر، التي يتحدثون عنها، ضحكت علينا شركات الطيران بتخفيضات لا تسمن ولا تغني من جوع.

نحو عام مر علينا منذ أن بدأت غمامة الأزمة سيئة الذكر تطل على سماء الخليج، ولم نشهد أي انخفاض بشكل ملحوظ، ما عدا قطاع العقارات فقط، وحتى القطاعات المعدودة التي سجلت انخفاضاً بسيطاً، كان مرد ذلك ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي وما لحقه من انتعاش للعملات الخليجية المرتبطة به، وليس عودة إلى عوامل السوق الطبيعية.

كم أنت مسكين يا من أنت من محدودي الدخل، خسرت مدخراتك بفعل الأزمة المالية فصبرت، قالوا لك إنها أزمة مالية خارجية وليست محلية فاحتسبت، انتظرت أن يفعل الاقتصاد فعله وتنخفض الأسعار، كرد فعل طبيعي، فأتتك الإجابة من جديد، إنه اقتصاد حر، والأسعار تصحّح نفسها من دون تدخّل حكومي، فتلزم الصمت، وهل لك غيره، لكن يحق لك التذكير، بأن الولايات المتحدة بنفسها كسرت نظريات الرأسمالية، بينما نحن نعتبرها من المحرّمات التي لا تمس أبداً. فاصبر واحتسب أيها المواطن فإنها أزمة «مالية» و«تعدّي».

ssalmand@gmail.com

تويتر