معارك شخصية

هل النقد هو إبداع موازٍ للنص الأدبي؟ أم انه ابداع ثانٍ لا يمكن أن يمارس إلا بوجود نص يجعل من قلم الناقد موجوداً ضمن فعل الكتابة.

ثمة نقاد كثر ينفون أولوية النص الإبداعي ويزجون بنصوص تطفح بالروح الشخصية وذهنية الاستقلال بحقل لا يمكن أن يستقل وحده مهما كانت أو تفاعلت سلطته الثقافية التي تتلوى بين الأغلفة وتجعلنا نسأل: هل يجوز للناقد مثلاً أن يكتب نقداً بلا متن يستند إليه.

وعلى صعيد آخر، هل يجوز للمبدع ايضاً مهما كان منجزه أن ينكر حق الناقد في استلال حقل بدأ أخير يتصرف بحذر في عالم الأفكار بعد ذبول الفلسفة ويشكل مدونة نقدية فكرية على غرار مدونتي ادورد سعيد وعبدالله الغذامي وغيرهم من الذين انتصروا على القول القائل بأن الناقد مجرد ناقل أو شارح للنص وراحوا صوب كتابة غير مخترقة من قبل ضوضاء المدارس النقدية التي تتدفق ثم تموت، أو من قبل مجاملات لا تتوقف عند النص إلا من أجل تحلية مياهه العكرة.

ثمة حرب بين الناقد والمبدع. وثمة اسقاطات تلطخ فعل الكتابة عند الاثنين. غير أن الحقيقة التي تصدمنا الآن ليست في احتدام هذه المعركة التي لم تعد منقولة أو مبثوثة وليس لها وجود ملزم بسبب غياب المتلقي وخمول الذائقة في عالم لم يعد الإبداع فيه مركزياً، خصوصاً إذا توقف الناقد والمبدع عند أخبار اكثر الكتب رواجاً بعد أن تبدلت الاهتمامات الشخصية وأضحى المرسل في جهة والمرسل إليه في الجهة الأخرى.

علام يتقاتل المبدعون والنقاد؟ في حين أن أكثر الكتب رواجاً في فرنسا في هذه الأيام هو كتاب محصلة سابقة بأحد محال السوبر ماركت يتحدث عن تجربتها مع زبائن المحل والمواقف الطريفة والمحرجة التي مرت بها معهم.

الكتاب الذي تقول مؤلفته إن هناك العديد من الزبائن الذين يثيرون الأعصاب ويطرحون أسئلة تتسم بالغباء والمطلوب من المحصلة أن تستقبلهم دائماً بودٍ رغم كل هذا بيع منه أكثر من 100 ألف نسخة هذا العام بحسب تقرير احدى الوكالات التي أوردت الخبر من دون أن تعقد مقارنة بينه وبين الكتب الأدبية ليس لنقص مهني، وإنما لأنها أدركت أن أي مقارنة من هذا القبيل ستكون ساذجة وتشكل نكاية بالمبدع وإبداعه سواء كان في المكتبة أو في مخازن البيوت.

كيف يكون الكتاب مقروءاً؟ ولماذا لا يتوقف الناقد والمبدع عند تحولات الذائقة ومتى تعود إلى وضعها الطبيعي أيام كان العالم معقولاً يقرأ ويفكر ويقرر؟!. هل نحن الآن أمام مشافهة عصرية؟ أم ان هذا الخوف الذي يتجمهر هنا لا مبرر له البتة.

ثمة انهيارات معرفية والمدهش انها لا تتم في العالم العربي فقط، بل في العالم كله، وعليه لا مبرر لأي معركة بين المبدعين والنقاد، في زمن قد يختصر فعل الكتابة والقراءة لمصلحة وجبة سريعة، أو لقيلولة خدرة في نعاس البيوت.

 

zeyad_alanani@yahoo.com

الأكثر مشاركة