إنصاف هنتنغتون

كتبت هذا الموضوع قبل شهرين، لكنني لم أجد الفرصة لنشره بعد وفاة أستاذ العلوم السياسية الأميركي صموئيل هنتنغتون، صاحب كتاب «صراع الحضارات» الذي يتناول بالتحليل المبادئ التي تفسر السياسات العالمية، والذي توفي بصمت مصادفة مع احتفالات رأس السنة الجديدة .2009 وسبق أن التقيت هنتنغتون في دبي عام ،2001 عندما حاضر في منتدى دبي الاستراتيجي الأول، حينها أثار تساؤلاً في لقاء مصغر مع بعض المهتمين من الباحثين والإعلاميين والطلبة الراغبين في التواصل معه، وقال «هل أنصفني العرب؟».

ارتكزت نظريات هنتنغتون على عقود من الشواهد التاريخية شكلت نموذجاً لإشعال شرارة الحرب في الماضي، وخير دليل على ذلك أحداث 11 سبتمبر التي أدت إلى تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك. فقد كان هنتنغتون يقظاً ودقيقاً في تقديم تبريرات منطقية، قد تنطوي وقد لا تنطوي على حقيقة، لصراعات لا حصر لها بين الأمم. وبصراحة، أعتقد أن معظم الحقائق تكمن في النظريات، خصوصاً تلك التي تُعنى بنظرية المؤامرة. وانتقاد هنتنغتون لبقية الحضارات تؤيد حقيقة أن الرجل لم يكن معادياً للعرب، وإنما أراد ببساطة أن يفسر السياسات العالمية ضمن سياق ثقافي.

لقد انتقد هنتنغتون فساد ونفاق الغرب، وأقر أن الغرب قد حقق تفوقه على الحضارات الأخرى عن طريق اللجوء إلى العنف المنظم في سبيل تحقيق غاياته وأهدافه، بل إن هنتنغتون أكد أن الغرب لا ينشر العولمة وإنما يسعى لإمتلاك العالم. علاوةً على ذلك، يعتقد هنتنغتون أن الآراء المسيحية التي نشأت في الغرب ما كانت لتؤثر في تلك الأعداد الغفيرة حول العالم لولا أن المسيحيين احتكوا بسكان المشرق. وانتقد هنتنغتون المسيحية الغربية ثم ثنّى بانتقاد أوروبا الغربية ليقينه أن بعض مبادئ السياسة والاقتصاد التي تدعيها الحضارة الغربية لنفسها، خصوصاً أوروبا الغربية لم تنشأ هناك، وإنما انبثقت عن حضارات ليست غربية في أماكن أخرى من العالم.

وعلى العموم، لقد كان كتاب هنتنغتون في ظاهره توصيفاً متوازناً لنظريته القائلة إن النزاعات في الماضي والحاضر هي نتاج الاختلافات الثقافية والدينية. ولم تكن الانتقادات التي أطلقها هنتنغتون أحادية الجانب تهاجم الشرق الأوسط أو الغرب أو أي حضارة من دون أخرى، وإنما كانت في الحقيقة حواراً ونقاشاً مفتوحاً حول مبادئ الشرق والغرب. فلقد أقر هنتنغتون أن الغرب يحاول تمثيل دور القوة الفائقة التي تعمل على نشر الوحدة والتعاون والديمقراطية والدبلوماسية والسلام وما إلى ذلك، وهو ما دعاه بالمنظور الغربي. إلا أن هنتنغتون أقر أيضاً أن المصالح الغربية تدفع سياساتها نحو امتلاك القوة والسيطرة على معظم شعوب الأرض. من جهة أخرى، بيّن هنتنغتون أن الشعوب العربية تناضل كي تطيح بالهيمنة الغربية على أراضيها ما دفعها للجوء إلى التهديد والعنف ضد الأمم الغربية وغير العربية. وبالنسبة لهنتنغتون فإن المنظور العربي قد نشأ بعد نشوء عقلية «إما معنا أو علينا».

 

 salemhumaid.blogspot.com

الأكثر مشاركة