«تفنيش» المواطنين!

سامي الريامي

أسلوب إنهاء خدمات الموظفين في كثير من الشركات بسبب الأزمة المالية العالمية، بالتأكيد هو من الأساليب الأكثر صعوبة، وله أبعاد اقتصادية واجتماعية وإنسانية سلبية، لكنه إحدى الوسائل الإجبارية أحياناً لتقليل تأثير الأزمات المالية.. لا ننكر ذلك، ولن نصادر حق الشركات في اتخاذ ما تراه مناسباً من أساليب ووسائل لتجاوز هذه المحنة،فالمسألة، كما ذكرت بالأمس، تجاوزت حدود الإقليمية وحدود الصلاحيات المحلية، ولكن بما أن الإمارات ليست أميركا، كما أنها ليست الصين أو أياً من الدول الأوروبية، حيث الأرقام الضخمة من الموظفين؛ لذا فإنه من المرفوض تماماً الاستغناء عن خدمات الموظفين المواطنين في أي من شركات القطاع الخاص بسبب الأزمة..

علينا أن لا نغفل حقيقة مهمة يجب أن يأخذها الكثيرون في الحسبان، وهي أن المواطنين في وظائف القطاع الخاص أقلية للغاية، وعددهم محدود جداً، وربما لا يتجاوز 2٪ وفق أفضل الإحصاءات، كما أنهم ليسوا على درجات إشرافية كبيرة، ومن هنا فإنهم لا شك يحملون الأحقية في الاحتفاظ بوظائفهم، ويجب على الشركات عدم التضحية بهم، خصوصاً أنهم في وقت الرخاء كانوا الأقل استفادة من الرواتب والمزايا والبدلات التي كان يتمتع بها مديروهم من الجنسيات الأخرى.

عملية الاستغناء عن المواطنين في كثير من الشركات، حتى وإن كانت محدودة، فإنها خطرة للغاية، وتعكس «استسهال» الكثير من الشركات الخاصة وشبه الحكومية التخلص من التزاماتها الوطنية والاجتماعية، وهذا الاستسهال إن لم تقف له الحكومة بحزم وقوة، فإنه لا شك سيتحول إلى ظاهرة عامة، وسيسعى الكثيرون من «معارضي» التوطين في الأساس، إلى استغلال الوضع العام، والتضحية بكل وظيفة يشغلها مواطن، ولن يُستثنى من قوائم «التفنيشات» إلا جنسيات معينة تسيطر على إدارات «الموارد البشرية» في تلك الشركات، حتى وإن كانت «شبه حكومية».

قبل أعوام عدة كان «تفنيش» المواطن كبيرة من الكبائر التي كان يتحاشاها حتى المديرون العامون، أما اليوم فإن الموضوع لا يتطلب سوى رسالة في يد «مراسل» موقّعة من مدير في الغالب.. غير مواطن!

طبعاً، وحتى لا يفهم البعض أننا مع الاحتفاظ بالمواطنين في الوظائف حتى وإن كانوا غير منتجين، أؤكد أن المواطن إذا ثبت إهماله وعدم إنتاجه وعدم قيامه بالواجبات والأعباء الوظيفية، فإنه يستحق تطبيق الإجراءات عليه، شريطة أن تكون وفق النظام الإداري المتعارف عليه، بعد التأكد وإثبات هذه الأمور عليه.. أما الحاصل اليوم فإنه من الواضح أن بعض الشركات ستبدأ في استغلال الأزمة المالية لإنهاء خدمات الموظفين بشكل عام، والمواطنين تحديداً، ليس لعدم إنتاجيتهم ولكن لتخفيف المصروفات، وهذا ما لا يمكن السكوت عنه، فالوظيفة للمواطن حق اجتماعي له ولأسرته وأبنائه، وإن كان مؤهلاً لشغلها فيجب عدم الاستغناء عنه مهما يكن.

في اجتماع «سري» للموارد البشرية في إحدى الشركات الضخمة، أصرّ المدير «الأجنبي» على أن يكون إنهاء خدمات الموظفين في إحدى الإدارات «جماعياً» بمن فيهم المواطنون، ولم يقبل بحلول من نوع نقلهم إلى إدارات أخرى، لولا تدخل مسؤول مواطن أجبره على تغيير القرار بعد أن برهن له أنهم الأقل رواتب ودرجات ومزايا وظيفية.

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر