تعب الأطفال

زياد العناني

طفل غزي يطل كل يوم مع سنواته الخمس، عبر إحدى الفضائيات العربية ثم يقول: تعبت من رؤية الجنازات المغادرة! تعبت من مشاهد الدم والدمار. أريد أن ألعب مثل بقية أطفال العالم مع طفولتي.

طفل غزي يملأ شاشة التلفاز والعين معاً بما يطرحه من مطالب أقل ما يقال بشأنها أنها أولويات إنسانية تتوافر لكل أطفال العالم المتحضر، خصوصاً حين يتساءل عن مبعث الحقد المرضي وكيف تكون الى حد العماء والعبث واستسهال القتل البشري ويجعلنا جميعاً نفكر في حجم الحقد الذي عرفه نيتشه «كملكة ارتكاسية تتغلب على القوى الفاعلة حين يحل الأثر محل الإثارة داخل الجهاز النفسي، ويحل ردّ الفعل محل الفعل ويتغلب عليه»، كما نفكر في المغزى المتحدر من صورته التي صورها بدقة حين قال: إن الروح الألمانية، مرت بعسر هضم، وإن المؤخرة الثقيلة هي الخطيئة الحقيقية، مبيناً أن إنسان الحقد لا يشعر أنه طيب إلا إذا شعر بأن الآخرين خبثاء.

وبين هاتين الصورتين، نجد أنفسنا نفكر أكثر وأكثر في الماسوشية العربية وطياتها المتعددة التي بدأت تتسع، وتتمدد وتستلذ بالألم تماماً كما حدث في أول يومين من أيام المعركة على غزة حين بكت وشهقت، ثم ذهبت في اليوم الثالث الى ملذات المأكل والمشرب بنهم قد تتخلله لحظات معينة لإحصاء الجثث وعد الجرحى، وكأن مسألة الضحايا باتت رقمية أكثر منها واقعة دموية يحدثها حقد الذاكرة الآثارية الإسرائيلية من خلال اللعب بدماء أطفال وشيوخ ونساء لا حول لهم ولا قوة، ولا وجود لأي نظام عربي يتجرأ على الوقوف في وجه ما تبدعه هذه الرؤوس الوحشية أو ما تبدعه ديمقراطية القتل من أجل القتل التي جلعت رئيس الوزراء التركي الغاضب أردوغان يقف، ويقول بكل جرأة للحائز بالغش وبالتدليس على جائزة نوبل للسلام شمعون بيريز: «أنتم (إسرائيل) تعرفون جيداً كيف تقتلون الناس... رفعك لصوتك (بالنسبة لي) يظهر لي سيكولوجية الشعور بالذنب» من دون أن يخضع لأي مصلحة بعد أن ثبت له أن اسرائيل قوة تدميرية لا أخلاق لها ولا أعراف وتفرق من حيث العنصر بين أطفالها من جهة وبقية أطفال العالم من الجهة الثانية. ثمة طفل فلسطيني ليس عليه سوى أن يموت تحت ركام البيوت. وثمة طفل اسرائيلي عليه أن ينعم بالأمن وبالشمس وبالحياة، وبناء على هذه النظرة الآنية التي قد توفر لأطفال إسرائيل الأمن ضمن مدة محددة وظرفية، ينسى عقل القاتل أن ذاكرة آثارية فلسطينية أو ذاكرة الضحية سوف تتشكل وتكتمل وتحاسب في قادم الأيام، ومن ضمنها ذاكرة الطفل الغزي الذي طلب الأمن فلم يجده! وطلب البيت والأشقاء فلم يجدهم! فعلى أي حال من الأحوال سيكون حين يكبر وحين يحمل السلاح، وعلى أي معنى سوف يكون بيانه النفسي في الحروب المقبلة؟

 

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر