مؤتمر الفتوى بين الأمل والعمل

 

المؤتمرات التي تعقد بين الحين والآخر، هنا وهناك، كثيرة ككثرة أيام السنة وساعاتها، بغض النظر عما تحققه من نجاحات أو إخفاقات، و ما تخرج به من قرارات أو توصيات، فلذلك عوامل مؤثرة قد تكون سبباً لترى نور العمل وواقع التطبيق، وأخرى تئدها في مهدها، إلا أن المؤتمر الذي عقد أخيراً للفتوى وضوابطها بمكة المكرمة، برعاية خادم الحرمين الشريفين وتنظيم المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، كان من أهم المؤتمرات بل أهمها، لما طرح فيه من محاور مهمة في أهمية الفتوى وشروط المفتي وتغير الفتوى، وتنظيم الإفتاء، ومعالجة الفتاوى الشاذة، وفتاوى الفضائيات وغيرها كثير، ولما جمع من عدد كبير من أصحاب الفضيلة العلماء المفتين من مختلف الدول الإسلامية، وكنا نتمنى أن يكون هذا المؤتمر مبكرا، بل كانت دائرة الشؤون الإسلامية قد رحبت باستضافته يوم أن كان فكرة لدى مجمع الفقه الإسلامي، قبل أربع سنوات، وتأتي أهمية هذا المؤتمر لكونه يعالج هذه المهمة التي هي مهمة رسل الله المبلغين عن الله رسالاته وشرعه، ومهمة خلفائهم من بعدهم، وهم العلماء الربانيون، هذه المهمة التي هي فريضة العلماء أداء، وفريضة غيرهم طلبا واستفادة، المهمة التي هي تعبير عن الله في حكمه وشرعه، وتوقيع عنه في أمره ونهيه وإرشاده، المهمة التي لم يعد يحميها سلطان ولا نظام، بل أصبحت كلأً مباحاً لكل من أراد أن يقول شيئا في دين الله تعالى الذي شرعه لعباده، وائتمن عليه خواصه من الفقهاء، الذين هم أهل خشيته وصفوته من بريته، مَن رفع مكانتهم فوق عباده، وأناط بهم بيان شرعه وهداية عباده،هم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وصفوة الأصفياء، الذين نالوا الخيرية من الله تعالى لكونهم يخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، مهمتهم بيان شرعه الشريف، وهداية الناس إلى الصراط المستقيم، ومع ذلك دخل في هذه المهمة الحابل والنابل، من لا يفقه عن الله حديثا، فتراه يفتي ويشرع، ويصحح ويضعّف، ويقول أقوالا لو مزجت بماء البحر لغيرته، من عظم الافتراء على الله تعالى، والتقول عليه بغير علم، والأدهى من ذلك أن يسفه العلماء، ويهون من بيانهم، ويضعف أقوالهم، لكونها لا تتفق مع هواه، وكم هم هؤلاء الدخلاء الذين لو قام العدل فيهم لكانوا أحق بالسجن من السراق والقطاع، ولكن لا رقيب ولا حسيب، فجاء المؤتمر ليبين للناس من هو المفتي الذي يتعين أن يُسأل وأن يجيب، وأن يجتهد ويبين، ومن الذي يتعين أن يهجر إن لم يمنع ويزجر، وهم أولئك الدخلاء الذين أطلق عليهم في المؤتمر أصحاب الفتاوى الشاذة، مع تحفظنا على هذا الاسم لكونه في الاصطلاح الفقهي و الحديثي، يعني تفرد الثقة لمن هو أو ثق منه، أو هو تفرد الثقة عن الثقات، وهذا التفرد يكون ممن له صفة الإفتاء لكونه من أهله، وكم مثل هؤلاء من أئمة الفتوى في كل مذهب، وقد يسوغ الرجوع إلى هذه الأقوال عند الحاجة، لا سيما ليعمل بها في نفسه، لا للفتوى، بينما هؤلاء ليسوا من العير ولا من النفير، فما لهم في الحق سبيل، وقد كان يطلق على من كان كذلك: المفتي الماجن، ويرى كثير من السلف أنه يجب الحجر عليه، كما يحجر على السفيه والمفلس، وقد أطلق خادم الحرمين الشريفين نداء لوسائل الإعلام أن تتقي الله تعالى فلا تمكن مثل هؤلاء من وسائلها حتى لا يفتن الناس، فمتى نرى واقع ما خرج به المؤتمر من قرارات وتوصيات في واقعنا الملموس؟



 كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

تويتر