من المجالس

عادل محمد الراشد

التوظيف في بلادنا لايزال يعاني من «غبش» في الفكر والتباس في المفاهيم، وازدواج في الخطاب. فهو على ألسنة كل من لهم علاقة بالتوظيف مشروع خطابي عالي الصوت، يضغط على كلمة توطين، ويصيح بنبرة عالية مؤكداً أفضلية المواطن لشغل الوظيفة. وهو في الواقع عبارة عن مبادرات منفصلة لا علاقة في ما بينها، ولا تسير وفق خطط منسقة، ومحددة الأهداف، وواضحة الآليات. لذلك تزداد ارتال المواطنين الباحثين عن الوظيفة، بينما تتضاعف فرص العمل الناتجة عن ظهور المزيد من المؤسسات والهيئات والشركات الحكومية وشبه الحكومية، والمساهمة العامة والمساهمة الخاصة. وفي كل يوم يزداد الحديث عن مشروعات تستوعب ملايين أخرى من البشر، من دون أن تراعي التركيبة السكانية. يقول أحد المسؤولين في إحدى الجهات إنه سئم كثرة المطالبة بالتوطين حتى من المحيطين به، ولكن لا أحد من هؤلاء المطالبين تطوع بإحضار سيرة ذاتية لطالب وظيفة مواطن. فالجميع «يطنطن» بالتوطين، وعند الجد تنهال السير الذاتية التي نادراً ما يكون بينها طالب وظيفة مواطن.

العلة إذن ليست «نقرساً» يختص به ملوك الوظائف وسلاطين المؤسسات، وإنما هي بكتيريا تسكن قناعات حتى من هم دون ذلك في المسؤوليات، وقد تنزل لتصل إلى سكان القاع الذين إن سنحت لهم فرصة الاختيار، فإنهم يختارون المتوافر الأسهل بعيداً عن «صدعة» المنافسة من الداخل!

وحال كهذا لا يمكن ان يقود إلى رؤية واضحة تضع مواطنين الدولة في صلب العملية التنموية، وتدفع بهم في مقدمة قوافلها. بل هي في الحقيقة تفتعل المزيد من المسافات بين المواطن وبين دوره في قيادة حركة النماء والبناء، وتسهم في إحداث المزيد من الاختلال في المعادلة التي لا يمكن ان تحقق توازنها في أي بلد إلا بوضع المزيد من أدواتها في يد مواطنيها.

قبل الحديث عن أي خطط للتوطين وتوجيه عملية التوظيف لابد من إعادة صياغة المفاهيم، وتصحيح الفكر، وهذه ليست مهمة المؤسسة الرسمية وحدها، لكنها مهمة كل مؤسسات المجتمع المدني التي يجب أن تسجل حضورها بالأفعال لا بالأقوال والأحاديث الجانبية فقط.

 

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر