الخائنون أوطانهم

سلمان الدوسري

كم هم يخونون أوطانهم، بينما هم يجزمون، ادعاءً كاذباً، بأنهم الأكثر عشقاً لثرى بلادهم. نعم هي ليست خيانة عظمى، فهناك من لا يسمّي الأشياء بأسمائها، فيعدها أخطاء أو تجاوزات فحسب، وهذا في سبيل التغاضي عنها، غير أن اسمها الحقيقي هو خيانة.. ولا شيء غيرها.

أليس من بين ظهرانينا من يحصل على حقوقه رغماً عن الآخرين؟ ألا يوجد، وبكثرة، من يرتقي على أكتاف أقرب الناس فيرتفع منصباً وجاهاً؟

بل ابحث، ولن تعجز، عن أولئك الساعين لغايتهم النبيلة بوسائل دنيئة. على سبيل المثال، أليس هناك المئات، وربما الآلاف، ممن يتسترون على المخالفين بتشغيلهم سراً، وهم يعلمون أن ذلك خيانة بحق الوطن.. ولكنهم يفعلونها بطيب خاطر ويهوّنون من أمرها كثيراً.

لا تذهب بعيداً عزيزي القارئ، وقف عند إشارة المرور لدقائق معدودة، وخذ من التجاوزات ما ليس له من وصف غير أنه جناية بحق الأوطان، فمن متجاوز للإشارة الحمرء، وآخر يبحث عن الوصول بأقصر الطرق، حتى لو على حساب وقت وأعصاب الآخرين، وثالث يسبّ ويلعن كل من حوله، جميعهم يظنون، بل متأكدون، أنهم يعشقون أوطانهم، فهل هذه تصرفات أو أفعال محبّ لوطنه.

كم من شاعر سطـر قصائد من ذهب في تمجيد الوطن، لكنه أول من يناقض كلامه المعسول فور انتهاء حفلته الشعرية. كم من رياضي مثـل منتخب بلاده، معتقداً أن مهمته انتهت بخروجه من أرض الملعب، فما أن يخرج من دائرته الضيقة، حتى يعود ليمارس أشنع التصرفات بحق مجتمعه. وليس بعيداً عنا هذا المسؤول أو ذاك، الذي ما فتئ يصرّح ويزبد ويرعد بمشاعره في المناسبات، غير أنه أول من يعود للخلف سريعاً مناقضاً كل ما قاله، فالجميع على علم بسلوكياته التي تبطن أكثر مما تظهر، فلا يخيل له إلا أنه يمثل الوطن وهو في عباءة الوزارة، فما أن يخلعها، حتى تنهمر الأخطاء والتجاوزات الواحد تلو الآخر.

أمر طبيعي أنه لا يوجد من يعترف بخيانته لوطنه، بل أكاد أجزم بأن هؤلاء الخائنين يعتبرون أنفسهم الأشد عشقاً لبلادهم، لكنه العشق الصوري فقط لدى البعض، فإذا دقت ساعة الفعل، انتهت لحظة التنظير وظهرت الحقيقة بوجهها القبيح.

حبّ الأوطان لا يُقاس بأطنان الكلام الجميل ولا بمجلدات القصائد الشعرية، يكفي الوطن أن نعشقه بتجردنا من الأنانية واقتران أفعالنا بأقوالنا، فهذا أبسط حقوق الأوطان على أبنائها. حب الوطن لا يرتبط بجواز سفر أو زيّ وطني أو لهجة محلية، على الأقل لأولئك الخائنين لأوطانهم يوماً بعد يوم. وهم الحاسبون أنفسهم، زوراً وبهتاناً، أكثر الناس عشقاً لثرى أوطانهم.

تويتر