أقول لكم

هو العيد، عيدنا الكبير، والناس هناك ما بين منى ومكة وشعابها، طائفون، مهللون، ملبّون، ساعون، راجمون، مضحّون، وقلوب مَنْ لم تكتب لهم تهفو إلى البقعة المطهرة التي كانت غير ذي زرع فأصبحت قبلة لأفئدة يملؤها الإيمان، ورمزاً للفداء والتضحية، منذ دخلها الاسلام أصبحت أرض السلام، مع إبراهيم وإسماعيل وهاجر، وحتى بعث منها مَنْ نصلي ونسلّم عليه كل لحظة، محمد وآله وصحبه، مبلّغاً بالرسالة، ومؤسساً لأمة تدين بدين سمح متسامح ومحب لإنسانية الإنسان وكرامته، دين يتزيّن بالأخلاق، ويتدثر بالطاعات، ويفخر بالمساواة، ويلفظ كل الشوائب، حتى تسمّت بأسماء المنتمين إليه.

هو العيد، الأضحى، وقد رأينا الذين وقفوا على صعيد عرفات يلبون النداء، ولا لون، ولا لسان، ولا جنسية، ولا طائفة، ولا قبيلة أو عشيرة، كلهم كانوا عباد الرحمن، متساوين في العبادة، متحدين في الدعاء، متجانسين في الملبس والمأكل والمعاناة، تجمعهم كلمة، وتصهرهم وحدة قصد وهدف وغاية، ولا تميزهم ثروات أو وجاهة، ونحن، مَنْ ننظر من بعيد، نتمنى أن نكون هناك، أن نعيش تلك الأجواء، لنخرج من مساماتنا عرقاً مختلطاً بأطماع الدنيا وما دونها، فنكون كباراً بعظمة المكان وليس بما نملك من مال أو سلطان، نعيش بمشاعرنا وليس بدناءة تصرفاتنا، ندعو بإخلاص لمن لا يطلب أجراً بعد أن تعبنا ممن لا يعطون دون مقابل، ونصافح الذين يتساوون معنا في ثوان معدودات، ونحن نعلم أننا لن نراهم بعدها، ولن يحسب علينا الالتقاء بهم.

إنه العيد، عيدنا الكبير، يمر علينا اليوم متصلاً بذكرى يوم جميل، يوماً توحّدنا فيه، فكانت هذه الأرض سبباً في خير عميم شمل أمة تواصل شرقها مع غربها، وبيد مباركة، بارك الله لها في الخير الذي وصل إليها، يد زايد الخير، التي لاتزال ممدودة تغيث المحتاج، وتساعد المنكوب والمعسر، من خلال صاحب الأيادي البيضاء خليفة، ومعه إخوة كرام، يباركون جميعاً هذه الأرض بعطاء لا ينقطع، فجزاهم الله بنعمة الأمن والاستقرار وحبّ الناس، وجعل الدعاء الموصول لهم دوماً سنداً، فنتذكره ونحن نعيش ذكرى الأضحى ودروسه، ونبتهل للخالق عز وجل بأن يحفظ لهذه الأرض رئيسها ونائبه وإخوانه.

تويتر