رئيس ونص

سلمان الدوسري

هو نصف أسود، وأيضاً نصف مسلم، تناقضات غير مسموح بها إلى وقت قريب في المجتمع الأميركي، لكنه ها هو باراك أوباما يصل لسدة الرئاسة في بلاده، وزوجته المحامية السوداء ميشيل أوباما تصبح السيدة الأميركية الأولى خاطفة اللقب من الشقراء الثرية سيندي ماكين. هكذا تطورت الأمور بسرعة، نعم بسرعة، فعندما تكون العنصرية ضاربة بجذورها في أركان المجتمع الأميركي قبل بضعة عقود، وخلال أقل من قرن من الزمن، يصل أول رئيس من أصول أفريقية، فهذا هو التغيير الفعلي الذي حلّ بالمجتمع الأميركي، فلم يعد أوباما نصف رئيس، بل غدا «رئيس ونص» أيضاً!

أوباما يقول لمناصريه، ليس أنا من حقق التغيير، بل أنتم، وهو هنا يلخص مجموعة من التغيّرات التي هبت على المجتمع الأميركي، لم يكن ناخبوه فقط من السود، ولا من الملونين، بل من جميع أطياف المجتمع، بل إن ولايات عرفت بولائها للجمهوريين، أسهمت في هذا التغيير النوعي باختيار ذي الأصول الإفريقية بدلاً من الأميركي الأصلي.

ربما السياسة الأميركية، خصوصاً في ولاية الرئيس جورج بوش، كانت سبباً رئيساً في إعطاء صورة سلبية عن المجتمع الأميركي بأسره، لست بالمدافع عنهم بالطبع، لكن موقفهم هذا سيسجله التاريخ ليكون نهاية فعلية وحقيقية لحقبة لم يكن يتوقع أكثر المتفائلين قبل سنوات قليلة أن يتم بهذه الصورة وبهذه السرعة.


صحيح أن بيننا، وهم كثر، من يقذع الشعب الأميركي بأقبح الصفات، لكن الحقيقة التي أفرزتها صناديق الانتخابات، أظهرت أن التحول في المجتمعات لا يأتي إلا بأيدي أبنائه، إن طال الزمن أو قصر. هل يا ترى كنا سنرى رئيساً من غير أبناء البلد الأصليين في أي من انتخاباتنا العربية؟ بالطبع هذا أمر مستحيل أن يحدث، فأين الدولة العربية التي لا يوجد فيها سكان أصليون وآخرون مجنسون وقسم ثالث لا أصل له؟ هذه حقيقة ماثلة للعيان، وهنا أتحدث عن الحالة العامة بين المواطنين أنفسهم الذين يمارسون اقصاء لأبناء بلدهم، ناهيك عن حكومات بعض الدول التي تفرق رسمياً بين مواطنيها في الحقوق، وليس في الواجبات طبعاً.

«الدرس» الأميركي في اختيار رئيس من أصول إفريقية، رسالة لأولئك الذين يتشدقون بعروبتهم بعنصرية بغيضة، وباسم الإسلام يؤججون التفرقة بين أبناء البلد الواحد، ويرتكبون تحت مظلة المبادئ العقيمة والعقليات البالية، أخطاء قاتلة في حق دينهم ووطنهم. أساس المجتمعات المساواة التامة بين أبناء الوطن الواحد، لا جنسية أولى ولا عاشرة، ولا فرق بين أبناء البدو وأبناء الحضر، ولا تفضيل لأبناء القبيلة على من لا قبيلة لهم. الجميع تحت مظلة الوطن، والوطن يجمع ولا يفرق. وفيما يرفع الأميركيون شعار رئيسهم أوباما «التغيير» ويطبقونه فعلاً، يطبق من هم حولنا وبالقرب منا التغيير، ولكن بطريقتهم الخاصة، بنبذ كل من يخالفهم في العرق والمذهب واللون.. والقبيلة، ويأتون بعد ذلك ليدعوا أن وطنيتهم لا تقبل الجدل.. آه كم من المصائب ترتكب في حقك أيها الوطن!

 ssalmand@gmail.com

 
تويتر