من المجالس
أعراسنا ما عادت تعبيراً للفرح. فحفلاتها لأهل العريسين تعب، واستعداداتها نصب، ومصاريفها إهدار وإسراف وتطاول على أسباب النعمة، والداعي لغير ذلك اليوم يبدو وكأنه لا يعيش عصره، ولا يعلم عمّا يدور حوله. ومن لم يَسِرْ مع الموجة ويساير الأوضاع فهو متطاول على الواقع ومدفون في ظلمات الماضي.
نصف المليون درهم أصبح كأنه نصف العشرة آلاف، والسبب ليس الغلاء، ولا مزايدة الفنادق ولا تطاول شركات تنظيم الأفراح في الأسعار، وإنما هو الوعي الذي يغوص في كل يوم في المزيد من وحل المظاهر والتباهي والتفاخر الذي يتبخر مردوده مع خروج آخر مدعوٍ من صالة الاحتفال. فأصبحت مئات الآلاف هي حسبة البسطاء من الناس من متوسطي الدخل ودونه، بينما صارت الملايين هي معيار الفرح عند الأغنياء أو مدّعي الغنى. وعند هذه الأرقام المتطاولة من مصاريف الليلة الواحدة يبدو صندوق الزواج ومنحته وأهدافه ومقاصده معزولاً يصيح في وادٍ لا صدى له يوصل. فالصندوق ينافح ويكافح ويناطح بالسبعين ألف درهم، وهي في مقاييس أعراس اليوم لا تقيم خشبة «الكوشة» التي ستجلس عليها ست الحسن والجمال بفستان الليلة الواحدة الذي إذا التفت إلى منحة صندوق الزواج مط «البوز» ازدراءً وامتعاضاً.
وما عاد الاحتفال في فنادق الخمس والست والسبع نجوم كافياً، ولا عاد ذوق كل مهندسي ومصممي الديكور الذين صمموا صالات تلك الفنادق يملأ عيون وغرور العروس وأخواتها وصديقاتها وبنات جيرانها، فيعاد تصميم هذه الصالات أرضاً وجدراناً وسقوفاً وطاولات ومقاعد لمدة ليلة واحدة فقط لا غير، وكل شيء بثمنه. ولم يعد فعل كل ذلك على حساب العريس وحده، بل تشاركه المحروسة بما قل أو كثر وإن ذهبت إلى أقرب بنك للاقتراض. توقعنا وتوقع العقلاء أن يؤدي الغلاء إلى إعادة صياغة كثير من مفاهيم الاستهلاك وعادات البذخ ورفس النعمة ويصل إلى ثقافة معيشية واستهلاكية على وجه الخصوص، تساير العصر، وتواكب مستوى التعليم، وتأخذ بمبدأ ترتيب الأولويات، ولكن يبدو أن التطوير الوحيد الذي حدث هو ركوب موجة الغلاء بالمزيد من الغباء.